غسان ريفي-سفير الشمال
تأخذ السلطة السياسية بتياراتها وأحزابها إجازة مؤقتة اليوم من الكباش والتعطيل الحكومي، ليتسنى لها المشاركة في التحركات الاحتجاجية ضمن الاضراب العام الذي ينظمه الاتحاد العمالي رفضا للأزمات التي ترخي بثقلها على البلاد، وذلك في خطوة تدعو الى السخرية في بلد يكاد يدخل موسوعة غينيس في الازدواجيات والانفصامات وفعل الشيء ونقيضه، حتى لم يعد أحد يعرف ضد مَن يوجّهُ هذا الاضراب طالما أن الجميع يشاركون فيه.
لم يعد هناك من داع للاضراب العام بعدما، حرفته تيارات السلطة عن مساره المطلبي وحولته الى ساحة لتبادل الرسائل السياسية في الشارع، بعدما تبادلت الرسائل عبر المقرات الرئاسية والمصادر والمستشارين، وكل ذلك على حساب إستغلال معاناة اللبنانيين الذين سيفتشون عن سلطة خفية تدير البلاد صباحا وتمارس الثورة مساء وتدفع البلاد والعباد نحو جهنم.
من المتوقع أن تكون تحركات اليوم حامية الوطيس، خصوصا أنها تأتي بعد إشتباك عنيف بين الرئاستين الأولى والثانية، وتبادل للاتهامات حول التعطيل وخرق الدستور والقانون، ما أدى الى ضرب كل الآمال المعلقة على حلحلة كان يتطلع إليها المواطنون، خصوصا بعدما بدا واضحا أن الرئاسة الأولى تتخبط في مطالبها وفي ردودها، وتحلل لنفسها ثمانية وزراء مع المشاركة في تسمية وزيرين مسيحيين، وهو ما سبق وحرمه الرئيس ميشال عون على الرئيس ميشال سليمان برفض إعطائه ثلاثة وزراء فقط في حكومة وحدة وطنية.
يبدو واضحا أن الرئيس عون قرر الذهاب في معركته مع الحريري ومن يدعمه حتى النهاية، وهو لطالما دفع ثمن عناده الذي بات اليوم يهدد الجمهورية بكيانها ورئاساتها ومؤسساتها وشعبها، خصوصا أن كل ممارساته تدل على أنه لا يريد أحدا، فلا هو يتجاوب مع مبادرة الرئيس نبيه بري، ولا هو يتعاون مع الرئيس الحريري لتشكيل حكومة تنقذ ما تبقى من عهده، ولا هو يقبل بوساطة حليفه حزب الله، بل يبدو أنه مرتاحا للنظام الرئاسي الذي يعمل على تطبيقه بالتعاون مع جبران باسيل الذي غدا أسير تناقضات غير مسبوقة خصوصا لجهة تأكيد عدم مشاركته في الحكومة، ثم سعيه الى الحصول على الثلث المعطل، وتشديده على أن تكون حصة رئيس الجمهورية ما يعني حصته ثمانية وزراء، وأن يتم التوافق بين عون والحريري على تسمية الوزيرين المسيحيين اللذين سيكون أحدهما برتقالي الهوى ثم يرفض إعطاء الثقة للحكومة لأنه يريد أن يعارض.
هذا التخبط الممتد من ميرنا الشالوحي الى قصر بعبدا، من شأنه أن يعزل الرئاسة الأولى ويُضعفها، وصولا الى إمكانية عدم صمودها أمام شارع عريض يغلي ويشعر بالفقر والجوع والذل ويستعد لتفجير ثورته من جديد، وربما هذا ما قصده الرئيس بري عندما قال في بيانه أن “جدار القسطنطينية ينهار” وذلك في توصيف دقيق لحال الرئاسة اللبنانية التي تترنح لكنها تنشغل في تسمية الوزيرين المسيحيين وفي تأمين مصالح باسيل وطموحاته، بينما الناس لا تجد دواء ولا إستشفاء ولا محروقات ولا كهرباء ولا طحينا ولا حليب أطفال والسواد الأعظم منهم يحزم حقائبه تمهيدا للهجرة، وهذا يشبه ما حصل في القسطنطينية التي كانت أسوارها تُدك وتنهار بينما بطاركتها كانوا ينشغلون في الجدال حول جنس الملائكة..