بات عدد كبير من المستشفيات يمتنع عن الاعتراف ببطاقة الإعاقة التي تعطيها وزارة الشؤون الاجتماعية للأشخاص المعوقين، والتي تكفل تسديد الجهات الضامنة لفارق الفواتير الاستشفائية. لسان حال المستشفيات: «بلّوا البطاقة واشربوا ميّتها»!
الانهيار الشامل في لبنان يظهّر، يوماً بعد آخر، آثار الإهمال المتراكم الذي حكم أداء السلطة في إدارة ملف المعوّقين، ما يساهم اليوم في مضاعفة معاناتهم. فما يحصل اليوم على صعيد الخدمات الصحية لهذه الفئة «فضيحة»، بحسب رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً سيلفانا اللقيس، مُشيرةً إلى أن الاتحاد «تحوّل بفعل الغياب التام لوزارة الشؤون الاجتماعية والوزارات المعنية إلى مركز إغاثة لعشرات الحالات اليومية العاجزة عن الوصول إلى حقها في الطبابة والعيش الكريم»، مع امتناع عدد كبير من المُستشفيات والمراكز الصحية عن «الاعتراف» ببطاقة الإعاقة التي تمنحها وزارة الشؤون الاجتماعية بموجب «قانون حقوق المعوّقين» (الرقم 220) الصادر عام 2000، والتي تسمح لحامليها البالغ عددهم نحو مئة ألف بالحصول على علاجات مرتبطة وغير مرتبطة بالإعاقة وتغطية الفحوصات المخبرية وعمليات الطبابة والاستشفاء والعمليات الجراحية المختلفة.
وفيما كان المعوّقون يخوضون سابقاً «معارك» مع إدارات المُستشفيات لتجنيب تكبيدهم فارق الفواتير التي تغطيها لهم الجهات الضامنة، أصبحت معركتهم اليوم انتزاع «اعتراف« المستشفيات بوجود البطاقة أصلاً.
مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف الحلو نفى لـ «الأخبار» أن يكون مفعول البطاقة قد جُمّد، لافتاً إلى أن «المشاكل التي تحصل قد تكون على خلفية الفارق الذي تمتنع بقية الجهات الضامنة عن تسديده». وأكّد «أننا كوزارة صحة، نسدّد الفارق ونغطي الفواتير مئة في المئة كما ينص القانون».
وتقتضي آلية عمل البطاقة، وفق ما يشرح المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية القاضي عبدالله أحمد، أن يحصل حاملها من الوزارة، لدى حاجته إلى أي إجراء استشفائي، على إفادة تخوّل المُستشفى إعفاءه من الفارق الذي يجب أن تتحمله الجهة الضامنة سواء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو تعاونية موظفي الدولة أو وزارة الصحة، لافتاً إلى أن غالبية المشاكل التي تحصل سببها «عدم إقدام حاملي البطاقة على اتباع هذه الآلية»، مُعترفاً في الوقت نفسه بـ «وجود مشاكل حالياً نتيجة الانهيار الصحي الذي تشهده البلاد».
هذا الكلام لا يتسق وشكاوى كثير من المعوّقين من عدم اعتراف المستشفيات ببطاقتهم ما يضطرهم إما إلى دفع كامل الفاتورة أو إلى دفع الفارق، فيما تلفت اللقيس الى أن «عبء الفارق وحده يدفع كثيرين إلى تفادي اللجوء الى المستشفيات وعدم الحصول على علاجهم».
ولعلّ المثال الذي يكشف فداحة تخلّي «الدولة» عن تأمين أدنى مقوّمات الحماية الاجتماعية للمعوّقين هو تعاملها مع جرحى انفجار الرابع من آب. فوفق دراسة أعدّها الصليب الأحمر اللبناني، تسبّب الانفجار بإصابة 3% من الجرحى بإعاقة دائمة، تؤكد اللقيس تخلّي المعنيين عن متابعتهم، وتشير إلى أن هناك نحو 20 حالة لم تتلقّ حتى الآن العلاجات اللازمة ولم يخضع أصحابها للعمليات الجراحية المطلوبة رغم مرور أكثر من عشرة أشهر على الانفجار، «بسبب مماطلة الوزارات المعنية وتقاذف المسؤوليات»، وهو أمر تثبته شهادات المعوّقين المتضررين من الانفجار أنفسهم عن حجم التخلّي. من ضمن هؤلاء، الجريح عباس مظلوم الذي أصيب بشلل رباعي، وهو عاجز كلياً اليوم عن تأمين أدنى مقوّمات العيش لأطفاله الخمسة الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم عشر سنوات. كغيره من المعوّقين، لم يشمله قانون إقرار التعويضات بحجة وجود قانون يرعى حقوقه (قانون حقوق المعوّقين) علماً أن الأخير «غير فعّال حتى اللحظة» وفق اللقيس، «إذ أن غالبية محاوره المرتبطة بالعمل والحقوق السياسية وغيرها لا تزال حبراً على ورق»، مُشيرةً إلى امتناع لبنان حتى اللحظة عن التصديق على الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق المعوّقين التي صادقت عليها مختلف البلدان العربية والغربية. من هنا، يرى الاتحاد أن معاناة المعوّقين حالياً مُضاعفة ونتيجة «مزيج» من إهمال متراكم وظروف استثنائية طارئة. هكذا مثلاً تغدو معاناة المعوّق في التنقل في ظلّ مجتمع غير دامج وغير مجهّز لأدنى مقوّمات النقل المسهّل للمعوّقين مضاعفة بسبب عدم قدرته على اللجوء إلى النقل العام الذي يتوقع أن يصبح بديلاً لكثيرين بسبب أزمة المحروقات. «ندرك أن الأزمة على الجميع، ولكن دائماً ما كنا نواجه بكلام حول أولوية النقاش المرتبط بحقوقنا»، تقول اللقيس مُضيفةً: «دائماً مش وقتنا. فيما يتبين أن تأجيل تلبية مطالبنا يرتدّ علينا ليُضاعِف معاناتنا».