سفير الشمال-عبد الكافي الصمد
تشير أغلب التقارير والتقديرات بما يتعلق بالأزمة الإقتصاديّة والماليّة التي يعيشها لبنان منذ أكثر من سنة ونصف، أنّ إيقاف تدهورها أكثر في المستقبل المنظور ليس مؤكّداً، وأنّ بدء معالجة الأزمة لن يكون قريباً، وأنّ خروج لبنان من عنق الزجاجة وتعافيه، إذا بدأ ذلك غداً، لن يكون قبل خمس سنوات على أقلّ تقدير.
آخر هذه التقارير كان ذاك الذي أصدره “مرصد الأزمة” في الجامعة الأميركيّة في بيروت حول تحدّيات العام 2021 في لبنان، إذ رسم سيناريو قاتماً لمستقبل البلد خلال المرحلة المقبلة، وأنّ لبنان الذي شهد أزمات معقدة في النصف الأوّل من هذا العام، مقبل في النصف المتبقّي من العام 2021 وما بعده، على إنهيارات ستتعمق بحسب ما تظهر الأرقام، وستشتدّ على قطاعات كالصحّة والتربية لتمثل تهديداً للأمن الإجتماعي للمواطنين، في حين يتوقع إرتفاع أكبر في معدّلات البطالة والفقر، المرتفعة أصلاً، والتي ستؤدّي حكماً لارتفاع معدلات العنف والجريمة والتوتّر الأمني، في بلد يشهد إنقساماً سياسيّاً وطائفيّاً حادّاً.
بما يتعلق بارتفاع معدّلات البطالة والفقر فقد توقف التقرير عند توقعات البنك الدولي والأسكوا من أنّ معدّل الفقر سيرتفع ليطال أكثر من نصف السكّان خلال العام 2021، وأنّ العدد الإجمالي للفقراء بحسب خطّ الفقر الأعلى سيبلغ نحو 2.7 مليون نسمة، وأنّ معدّل البطالة سيتخطى نسبة 30 %، بعدما أغلقت 18 % من الشّركات أبوابها، وفقد نحو 350 ألف شخص يعملون في القطاع الخاص وظائفهم.
وتطرّق التقرير إلى قضية الهجرة التي أسهمت باستنزاف القوى العاملة على مرّ عقود، وهو ما يتوقّع إستمراره نتيجة الأزمة الراهنة، وبأنّ بعض القطاعات ستتأثر أكثر من غيرها بمخاطر تفريغها من قواها العاملة، ولا سيّما القطاع الطبّي، بما يُهدّد تراجع الخدمات الطبّية، وخسارة لبنان دوره الرائد كـ”مستشفى الشّرق الأوسط”.
ويشير التقرير إلى أنّ الأزمة الراهنة أدت إلى هدم النظام التعليمي الذي تميّز به لبنان لسنوات، نتيجة تراجع قدرة العائلات على تعليم أبنائها بالمدارس والجامعات الخاصّة، ونضوب الموارد المالية المُتاحة للإستدانة ودعم الطلب على هذا التعليم، عدا عن تفريغ هذه المؤسّسات التربوية الخاصّة من كوادرها، وتراجع مستوياتها نتيجة تراجع الأجور وتدحرج الإنهيار.
وحذر التقرير من تزايد نشاط المافيات والعصابات والجريمة المنظمة كنتيجة لتنامي معدلات الفقر والبطالة، لكون “السيناريوهات تكاد تكون واحدة في معظم المجتمعات التي تشهد أزمات اقتصادية، وهو ما يرجّح حصوله في لبنان أيضاً، وهو ما تؤكّده الإحصائيات الصادرة عن المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي.
ويرى التقرير أنّه نتيجة تعمّق الأزمة وتأثيرها على النسيج الإجتماعي في البلاد، إضافة إلى انهيار بعض محرّكات عمل النظام السّياسي القائم على تحويل الدولة إلى أداة لإعادة التوزيع والزبائنية، يرصد “تنامياً ملحوظاً في لبنان في النّزعات الإنعزالية أو الشعبوية، التي يُعبَّر عنها حيناً بالفيدرالية وحيناً آخر باللامركزية، باعتبارها من الأشكال التنظيمية المُمكنة لإدارة شؤون هذا المجتمع”.
ويخلص التقرير إلى أنّ “المشكلة أعمق من ذلك بكثير، وتداعياتها ستكون على كلّ القطاعات بشكل شامل، وما يجب فهمه أنّ لبنان لا يزال في بداية تداعيات وآثار الأزمة، ولم تبلغ الأزمة ذروتها بعد”، مضيفاً أنّ “الخوف هو من تعمّق الإنهيارات أكثر، حيث ستضعف مؤسّسات الدولة وتؤدّي إلى انهيارها، وهنا ستبدأ المخاوف على الصعد الأمنية والصحّية والتقديمات الاجتماعية والمؤسسات الضامنة والأمن الإجتماعي للبنانيين”.