طرحت أعمال قمة الدول السبع الأيام القليلة الفائتة، عطفاً على الديناميكية المحدثة التي ولدتها توجهات الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الإيجابية لجهة أوروبا، علامة استفهام حول إمكانية صعود الغرب مرة جديدة ليقود العالم، بطروحاته الديمقراطية وشروحاته الليبرالية، وبخاصة في ظل التصاعد المتنامي لروسيا على الصعيد السياسي والعسكري في الكثير من بقاع العالم، ناهيك عن المد التسونامي الصيني، اقتصادياً في الحال، وعسكرياً في الاستقبال القريب.
هل هو الغرب مرة جديدة من سيقرر مصير المسكونة وساكنيها، بعد أن خيل للكثيرين أنه يتوارى، وبخاصة بعد الضربة الموجعة للفيروس الشائه كوفيد – 19، وما تبدى من تفكك للبنى التكتونية للنظام الويستفالي، والشكوك حول مقدرة بريتون وودز على استنهاض العالم؟
بعيداً عن البيان الختامي للقمة، الذي يخفي أكثر مما يظهر من النوايا الغربية، بات من الواضح أن التوجه الرئيسي لفاعليات الأسبوع الماضي على الأراضي الإنجليزية، تمحور حول إنعاش فكرة الهيمنة الغربية من جديد، وقد بدت على استحياء إرهاصات من مشروع القرن الأميركي، مع الفارق هذه المرة، ألا وهو يقين واشنطن بحاجتها إلى أوروبا، وعدم مقدرتها على القيام بدور شرطي العالم أو دركه بمفردها، الأمر الذي أقر به بايدن في أول يوم من زيارته لبريطانيا.
نهار الأحد الفائت كانت وكالات الأنباء تطير تصريحاً للمتحدث باسم السفارة الصينية في لندن، جاء فيه: «لقد ولت الأيام التي كانت تملي فيه مجموعة صغيرة من الدول قرارات عالمية، ونحن دوماً نعتقد أن الدول سواء كانت كبيرة أو صغيرة، قوية أو ضعيفة، غنية أو فقيرة متساوية، وشؤون العالم ينبغي أن تدار عبر التشاور مع جميع الدول».
التصريح المتقدم يعكس قلقاً صينياً واضحاً من توجهات مجموعة دول السبع، التي كرست الوقت الفائق من زمن القمة للتصدي بحزم للصين، تلك التي استخدمت فائضها المالي حول العالم للإخلال بالكثير من التوازنات الأممية، بل وتوجيه طعنات في القلب للديمقراطيات العتيقة والجديدة على حد الادعاء الغربي.
في مسألة تقرير مصير العالم، يبدو أن من يدفع للزمار هو من يحدد اللحن، ولهذا طفا على سطح الأحداث اتفاقاً واضحاً بين قادة مجموعة السبع الكبار، هدفه اتخاذ إجراءات عملية وبسرعة شديدة، لقطع الطريق على الصين الساعية إلى ترويج بضائعها ومنتجاتها بأسعار منخفضة حول العالم، والوقوف سداً واحداً أمام انتهاكاتها لحقوق الإنسان، بحسب المقاييس والمعايير الأوروبية والأميركية.
في مناقشات قمة الدول السبع، ظهر توجه مثير من الرئيس بايدن، يستدعي ولو مسحات أو لمحات بعيدة من مشروع مارشال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في محاولة وقتها لدعم أوروبا الجريحة.
اقترح الرئيس بايدن في مواجهة الصين، تقديم تمويلات بمئات مليارات الدولارات لدول نامية، وذلك لخلق بديل عن الاعتماد على شبكة الطرق الجديدة والسكك الحديدة والموانئ وشبكات الاتصالات التابعة للصين.
يبدو المشهد وكأن الغرب التقليدي قد تحرك حاسماً وجازماً أمره من مشروع، «الحزام والطريق الصيني»، الذي فيه سخّرت بكين مليارات الدولارات لإقراض الدول النامية، والاستثمار في أراضيها، ومع هذا التوجه بسطت الصين خيوطها، ورسمت خطوطها في قارات عدة بدءاً من أفريقيا، مروراً بأميركا اللاتينية، وما أخاف واشنطن وبروكسل، وقوع عواصم أوروبية في براثن الصين، المشهد الذي تبدى بالفعل في العلاقات الإيطالية الصينية بنوع خاص، وإن جرت الأقدار بذلك قبل تفشي فيروس كوفيد – 19.
في تقرير مصير العالم تأكدت واشنطن أن الشعارات الحقوقية، والرايات الديمقراطية، لا تسمن ولا تغني من جوع، بل العمل الفاعل والناجز على الأرض، وهذا ما ترجمته صحيفة «النيويورك تايمز» التي أشارت إلى موضع الخطر، حيث جهود الصين للتنمية حول العالم، أضحت تفوق برنامج الولايات المتحدة لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي متابعة العالم لتلك القمة، توجهت الأنظار إلى إشكالية الجائحة التي لم تنطفئ نيرانها بالمطلق بعد، لا سيما في دول العالم النامي، ما يعني أن الحاجة ماسة إلى بضع مليارات من اللقاحات في محاولة لتجنب المزيد من المآسي التي خلفتها.
والثابت أنه فيما ترفض الصين تعاوناً أعمق مع منظمة الصحة العالمية لتبيان سر الفيروس ومنشأه، ها هي الدول السبع تمضي في طريق التبرع بنحو مليار جرعة لقاح للبؤساء والمعذبين حول الأرض، نصفهم على الأقل من الولايات المتحدة الأميركية.
هل سيحقق بايدن وعده بقيادة أميركا للعالم من جديد؟
هل سيحقق بايدن وعده بقيادة أميركا للعالم من جديد؟
تبين نتيجة استطلاع رأي لمركز بيو للأبحاث في واشنطن، أن الثقة بالقيادة الأميركية من جانب الحلفاء الأوروبيين، ارتفعت بشكل واضح، وبات 12 من أقرب الدول الأوروبية لأميركا يرون أن بايدن: «قادر على فعل الشيء الصحيح»، ووصلت نسبة هذه الثقة إلى 75 في المائة.
هل العالم أمام لحظات مفصلية لإعادة توازنات أممية مفقودة قبل أن يتقرر مصير من سيقوده؟
هل العالم أمام لحظات مفصلية لإعادة توازنات أممية مفقودة قبل أن يتقرر مصير من سيقوده؟
المصدر: اندبندنت