محمد الجنون -لبنان24
لا يمكنُ لأي أحد أن يتكهن بموعد ولادة الحكومة العتيدة، في وقتٍ تستمرّ فيه المناكفات والتعقيدات. ووسط كل ذلك، فإن ما يمكن تأكيده هو أنّ الرئيس المكلف سعد الحريري وضعَ خيار الاعتذار جدياً على الطاولة، وسيعلن ذلك في حالة واحدة وهي إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري انتهاء مبادرته الانقاذية.
وحتى الآن، فإنّ الحريري متمسك بمساعي بري وينتظر نتائجها، لكن الأطراف المعنية بالاتصالات تقول أن “النائب جبران باسيل انقلب عليها وعاد ليتمسك بشروطه التعجيزية”، حتى أن “حزب الله” بات متيقناً من أن باسيل عاد لمرحلة المناورة. ولهذا، فإنّ بري ينتظرُ “حلحلة الأمور” مع باسيل بأسرع وقتٍ ممكن، خصوصاً أن المقربين من رئيس مجلس النواب يؤكدون تضييع باسيل للجهود واتباع نمط العرقلة.
وإزاء كل هذا الأمر، فإنه ثمّة ثابتة واحدة أساسها أن الحريري يحظى بشبه اجماع لاستكمال مهمة التكليف نحو التأليف. ولكن، ما يحصل هو أن رئيس تيار “المستقبل” باتَ يذهب بعيداً إلى حد الاعتذار لأن باسيل يدفعه نحو ذلك. وهنا، يطرح سؤال أساسي نفسه: أيّ خيار أهون على الحريري: الاستمرار بالتكليف أم التنازل عن هذه الورقة؟
في مقاربة للصورة الكاملة “سياسياً”، فإن الحريري باستكماله الطريق نحو التأليف متمسكاً بالتكليف، يكون قد أكّد أنه عائد رغم ضغوط باسيل التي تحمل طابع الإقصاء والإلغاء. وفي الواقع، فإن باسيل يريد هذا الأمر، خصوصاً أنه يُراهن على انكسار صورة الحريري، لكن ما يتبين هو أنّ وقوف بري و “حزب الله” لدعم الرئيس المكلف يُحبط مساعي باسيل لاستبعاد الأخير.
كذلك، فإنّ استمرار الحريري كرئيس مكلف يُحبط أي هدفٍ لباسيل بتمرير حكومة على هواه تنفذ شروطه مثل حكومة حسان دياب، وهو الأمر الذي لا يريده بري ولا “حزب الله” مُجدداً. أما الأمر الأهم فيتمثل في أنّ عودة الحريري من دون أي تنازلات أو تسوية فعلية ستكون ضربة قوية لباسيل الذي سيتكبد خسارة سياسية كبرى بعد فشله بفرض شروطه والمكابرة أكثر.
وحتى الآن، فإن رئيس “التيار الوطني الحر” لم يُدرك بعد أن تحركاته “الإلغائية” تؤجج الشارع أكثر أمامه، كما أنّ ورقته “محروقة سياسياً”، خصوصاً لدى الأطراف التي تدعم الرئيس المكلف بشكل كبير، وعلى رأسها رؤساء الحكومات السابقون ودار الفتوى.
ولهذا، فإنّ استمرار الحريري بالتكليف وعبوره نحو حكومة وسط هذا الدعم ومن دون أي تنازلات، سيعتبرُ انتصاراً له بالدرجة الأولى على الصعيد الشخصي والسياسي، كما أنه سيكون رسالة واضحة بأنّه استطاع فرض نفسه وشروطه من دون أي تسوية قد تكلفه الكثير في الشارع.
أما الأمر الذي تتفق عليه أبرز الأطراف فهو أنّه بمجرد تشكيل حكومة، فإنّ “الأمور يجب أن تكون سالكة”. وفي هذا السياق، تقول مصادر “حزب الله” لـ”لبنان24″ أنه “مع اكتمال المساعي ونضوجها ونجاحها، فإن أي حكومة سوف تتشكل رح تقلّع، ورح تكون ماشية وساحبة، لأن الوضع لا يحتمل تسويفاً ومماطلة أكثر”.
ماذا بالنسبة لخيار الاعتذار؟
وعلى صعيد الاعتذار، فإنّ هذا الخيار “القائم والمرجح بشكل كبير” يمكن أن يكون مناسباً للحريري على أصعدة عديدة.
وفي الواقع، فإنّ الحكومة العتيدة تنتظرها استحقاقات صعبة وكبيرة في ظل الانهيار القائم، كما أن الفخ الذي نصبه باسيل للحريري من خلال جره إلى هذه المرحلة المتدهورة وتشكيل حكومة في خضمها، سيجعل المهام أمام الرئيس المكلف أصعب.
وفي الحقيقة، فإن ما تبين هو أن باسيل مارس المماطلة لكي يستدرج الحريري إلى هذه المرحلة بشكل خاص لأنها ستتضمن اتخاذ قرارات بملفات مصيرية مثل رفع الدعم، وهو الملف الذي سيفجر الشارع ويعمق الأزمة وسط الانهيار. ولهذا، فإن الحريري باعتذاره يكون قد جنّب نفسه اتخاذ مثل تلك القرارات، لأنها ستنعكس سلباً عليه خصوصاً في شارعه وطائفته، وهو الأمر الذي يريده باسيل اليوم قبل الغد.
ومما لا شك فيه أيضاً هو أن الحكومة ستكون أمامها مسؤولية إعادة أموال المودعين وتحصين لبنان بالعملات الأجنبية، كما أنه يتطلب منها تفعيل عجلة الاصلاحات لكسب ثقة المجتمع الدولي. ولهذا، فإن لم يكن الحريري مدعوماً بشكل كامل ومتين من مختلف الأطراف خلال عمله ضمن الحكومة، وإن لم يجر تحصينه “سُنياً” بشكل أكبر، فإن الاعتذار هو “أبغض الحلال” بالنسبة له، لأنه سيجنبه مواجهة في الشارع بالدرجة الأولى، كما أن ذلك سيبعده عن أي أفخاخ ينصبها له باسيل في المرحلة المُقبلة، وأساسها سيكون العرقلة والإفشال.