«كابيتال كونترول»: الكتل النيابيّة تصرّ عليه… إلى حين؟
لا يزال اقتراح قانون الكابيتال كونترول يُنازع. بالرغم من أن كل الكتل تؤكد أنها لا تزال تؤيده، حتى بعد موقف ممثل صندوق النقد الدولي، الذي اعتبر أن القانون يجب أن يكون في سياق خطة إصلاحية، إلا أن أحداً لا يعرف متى تأتي كلمة السرّ للإجهاز عليه. وأول الغيث رحلة طويلة في لجنة الإدارة والعدل
مع ذلك، فإن العنصر الثالث الذي يمكن أن يعطي مؤشراً لوجهة القانون، سيكون المدة التي تحتاج إليها لجنة الإدارة والعدل في مناقشته، علماً بأن عدداً من النواب قرأوا في تصريح رئيس اللجنة جورج عدوان، أمس، تمهيداً يؤكد أن اللجنة لن تتعامل مع القانون بوصفه مستعجلاً. فعُدوان أعلن أمس أن اللجنة، التي ستبدأ الأسبوع المقبل بمناقشة الاقتراح، «ستشبعه درساً لكي يكون قانوناً كما يجب أن يكون، وستُعطيه الوقت اللازم». هذا التصريح ينفي ما سبق أن نقلته مصادر نيابية عن عدوان، بأنه سيسرع في بت الاقتراح، إلى حد الإشارة إلى أنه لن يحتاج إلى أكثر من جلستين، علماً بأن مساعي جرت بعد إنجاز الاقتراح في لجنة المال لإحالته رأساً إلى اللجان المشتركة، توفيراً للوقت، إلا أن عدوان رفض ذلك لأن رئيس المجلس سبق أن حوّل الاقتراح إليه. مصادر اللجنة رأت في ذلك أمراً طبيعياً. إذ بعد تصريح ممثل صندوق النقد الذي صدر بعيد إنهاء لجنة المال مناقشة الاقتراح، لم يعد بإمكان لجنة الإدارة تجاوز موقف الصندوق، و«لذلك لا بد من درس الاقتراح من هذه الزاوية، لكي يؤدي الغاية منه».
بالنتيجة، يواجه الاقتراح جولة جديدة من النقاشات في لجنة الإدارة والعدل، بعدما جمدت عملها إلى حين بت لجنة المال الاقتراح، علماً بأن أحد مبررات تحويل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الاقتراح إلى اللجان في حزيران 2020، كان ورود ملاحظات من صندوق النقد، يُفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار عند إعداد القانون. وبحسب تقرير لجنة المال، فإنها أخذت بـ«ثمانين في المئة من هذه الملاحظات، بما يسهل لاحقاً أي مفاوضات حكومية مع الصندوق». في اللجنة، لم تكن النقاشات بعيدة عن موقف ممثل صندوق النقد. كان هنالك تأكيد أنه في الحالة الطبيعية، فإن أي قانون لا بد أن يكون جزءاً من خطة إنقاذية. ولذلك اعتبرت أنه بالرغم من الحاجة إلى القانون نظراً إلى الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها البلد، إلا أن «أي خطوة ستبقى عاجزة عن وضع حلول دائمة ما لم تقترن باستقرار سياسي من أوّل متطلباته تأليف حكومة تتصدّى للمشكلة بكفاءة وجدارة، وإجراء إصلاحات بنيوية من ضمن خطة واضحة ومتكاملة تضع الاقتصاد الوطني على سكة استعادة مقومات حيويته وانطلاقته، وتخرج البلد من أزمته».
هذا لم يمنع اللجنة من المضي قدماً بالبحث عن نص ينهي الاستنسابية التي تصرّ عليها المصارف كما مصرف لبنان. فبحسب اللجنة، لا يزال بعض المحظيّين يحوّلون أموالاً إلى الخارج، ويستفيدون من تغطية نفقات في الخارج، علماً بأنه تبيّن للجنة (مستند مقدم من لجنة الرقابة على المصارف)، أن المصارف حوّلت خلال السنتين 2019 و2020 (لغاية شباط 2021) مبلغ 244 مليون دولار للنفقات التعليمية وحدها. وبالرغم من ذلك، هناك من يشكو من عدم تنفيذ قانون الدولار الطالبي لمصلحته، ما يؤكد استنسابية التحويلات التي يسعى اقتراح القانون إلى إلغائها، وبالتالي تحقيق أكبر قدر من العدالة والمساواة بين المودعين.
ولذلك، يؤكد كل من النواب محمد الحجار وألان عون وياسين جابر أنه حتى بعد موقف الصندوق، لا يزالون يؤيدون إقرار القانون، ويتمسكون بما أقرته اللجنة، مع الانفتاح على أي تعديلات يمكن أن تساهم في تطويره.
يذكّر رئيس لجنة المال ابراهيم كنعان بأن «اللجنة تحفّظت على عدم وجود خطة حكومية، لكن رغم ذلك، وصلها اقتراح قانون، كان ينبغي أن تتعامل معه من منطلق أنه لا يمكن ترك الناس لاستنسابية المصارف ولتعاميم مصرف لبنان». وبناءً عليه، هو يعتبر أن «القانون هو بهذا المعنى حاجة وليس حلاً». أما بشأن موقف الصندوق، فيذكّر «كنعان بأنه عندما أرسل ملاحظاته على اقتراح القانون لم يكن هنالك أي خطة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «رأي رايس لم يتناقض مع وصلت إليه اللجنة، فهو أعلن أن من الأفضل أن يصار إلى إقرار خطة إصلاحية، وهو ما نؤيده تماماً، من دون أن يعني، بحجة عدم وجود خطة، عدم اتخاذ تدبير احترازي ينهي الفوضى المصرفية ويمنع استمرار تحكّم مصرف لبنان بالقرارات التي تطال بتأثيرها كل الناس».
من جهته، يؤكد الحجار أن كتلة المستقبل، التي كان يمثلها في اجتماعات اللجنة، لا تزال على موقفها المؤيد لإقرار القانون، مع إدراكها أنه يأتي متأخراً وأن الأولوية تبقى لخطة إصلاحية شاملة. لكن في المقابل يجزم أنه لم يعد بالإمكان إبقاء الأمور خاضعة لاستنسابية المصارف، طارحاً علامات استفهام عن سبب عدم تعاون مصرف لبنان وجمعية المصارف مع اللجنة. ويضيف: «لو أن اللجنة حصلت على المعلومات التي طلبتها لكان أمكننا بتّ الموضوع بشكل دقيق، لكن مع ذلك، فقد تمكّنت اللجنة من وضع معيار مستند إلى عدد من المؤشرات؛ من بينها السقف الذي وضعه مصرف لبنان في تعميمه، فهي لا يمكنها أن تضع سقوفاً مرتفعة تكون سبباً لإفلاس المصارف».
في المقابل، يؤكد النائب علي فياض، الذي مثّل حزب الله في اللجنة أن ما تم التوصّل إليه هو أفضل الممكن بالنظر إلى المعطيات المتوفرة. لكن، في المقابل، فإن مصادر مطّلعة تتوقع أن لا يحارب الحزب لإقرار القانون. وهو بالرغم من تأييده بالكامل، إلا أنه لن يقف في وجه بري إذا قرر الأخير إسقاط الاقتراح.
كذلك، يقول عون إن التكتل يؤيد بالمطلق ما قاله صندوق النقد لناحية وجوب أن يكون قانون الكابيتال كونترول جزءاً من أي خطة إصلاحية، تشمل هيكلة المصارف وتوزيع الخسائر وإيجاد آلية تعيد ضخ الأموال من الخارج، لكن مع ذلك لا بد من السير بقانون يساهم في إنهاء الفوضى. ولذلك جاء الاقتراح متحفّظاً لناحية الاستثناءات.
الأمر نفسه يشير إليه جابر. هو كان عضواً في اللجنة الفرعية التي أعدّت الاقتراح، ويعتبر أن ما ورد فيه هو «أفضل الممكن بالنظر إلى الظروف الراهنة وإلى لامبالاة مصرف لبنان وجمعية المصارف بطلبات اللجنة». موقف جابر لا يعبّر بالضرورة عن موقف بري، الذي تشير المعلومات إلى أنه نفض يده من القانون، بعدما ضمن وصول فتات الودائع إلى أصحابها.
الأساس أن المصارف لم يناسبها هكذا تشريع لما يتضمنه من بنود تفرض العقوبات التي قد تصل إلى درجة اعتبار المصرف المتخلّف عن التنفيذ متوقفاً عن الإيفاء والدفع، وبالتالي شطبه من لائحة المصارف. وللتذكير، فإن جمعية المصارف سبق أن أرسلت، في 21 نيسان 2021، كتاباً إلى اللجنة تدعو فيه إلى: حظر التحويل إلى الخارج بالكامل، منع التحويل إلى العملات الأجنبية في الداخل، والتضييق في الاستثناءات قدر الإمكان، حصر السحوبات النقدية بالليرة اللبنانية على أساس سعر المنصة الإلكترونية، تحديد السقوف النقدية المسموح بها من أجل ضبط كتلة النقد المتداول، سداد القروض الممنوحة سابقاً بالعملات الأجنبية بعملة القرض من أجل الحفاظ على حقوق المودعين. ولما لم يأت النص على قياس مطالبها، فقد وقفت في وجه اقتراح القانون، بالاتفاق مع مصرف لبنان، الذي يرفض بدوره تقييده بقانون يلغي تحكّمه بمصير الناس عبر التعاميم.
بالنتيجة، وبالرغم من كل الملاحظات، فإن اللجنة تعتبر أن القانون لا يزال يلبي أربع حاجات أساسية:
– تيسير أمور المودعين، وبالتالي الحد من منازعاتهم مع أصحاب المصارف قضائياً، ومن وسائل العنف التي يلجأون إليها في بعض الأحيان.
– الحد من الاستنساب وتحقيق أكبر نسبة من العدالة والمساواة في تعامل المصارف مع المودعين، كبارهم وصغارهم على حد سواء.
– إيجاد مرجعية مركزية للتظلّم والشكوى من جهة، وللحدّ من ازدواجية الاستفادة في حال تعدد الحسابات المصرفية من جهة ثانية.
– استعادة الثقة المفقودة حالياً بين النظام المصرفي والمودعين، وبالتالي البدء بالخطوة الأولى على صعيد انتظام العمل المصرفي وعودة الدورة الطبيعية لعجلة الاقتصاد الوطني.