الأسد و”الحزب” وتصدير الكبتاغون للعالم: حافز أميركي لدعم الجيش
بين الأسد وحزب الله
كل هذه المعطيات والتسريبات الأمنية عن ملايين الأقراص المخدّرة التي تُنتج في سوريا، دفع “المجلس الأطلسي Atlantic council”، وهو مؤسسة بحثية مقرها الولايات المتحدة، لنشر دراسة عن ظاهرة “الكبتاغون” المستفحلة في سوريا ولبنان. واعتبرت المؤسسة الأميركية أنه في ظل عجز الولايات المتحدة عن تفكيك دولة المخدرات السورية، يمكن لإدارة جو بايدن اتخاذ خطوات منطقية ومنخفضة المخاطر، لإنهاء الإفلات من العقاب الذي يتمتع به زعماء المخدرات السوريين واللبنانيين، وتخفيف الآثار الإقليمية غير المباشرة.
طوال الحرب الأهلية السورية، تحول نظام الأسد إلى مصدّرٍ رائد للمخدرات في العالم. ويُعتبر عقار “الكبتاغون” المنتج الذي يدّر له الأرباح الوفيرة. ووفقاً لتقرير صادر عن “مركز تحليل وبحوث العمليات Center for Operational Analysis and Research”، بلغت القيمة السوقية للكبتاغون السوري في عام 2020 ما لا يقل عن 3.5 مليار دولار، أي خمسة أضعاف قيمة الصادرات المشروعة للبلاد.
وتضيف المؤسسة الأميركية أن عائدات المخدرات في سوريا يستحوذ عليها الموالون لنظام الأسد الذين يسيطرون على المصانع والمختبرات السرية ومنشآت التصدير. لكن نظام الأسد ليس الوحيد، فإلى جانبه يأتي دور حزب الله في تهريب السلائف والمواد الكيميائية التي كثيراً ما تُستخدم في صنع المخدرات والمؤثرات العقلية.
غياب الاستراتيجية الأميركية
من بين الجوانب الأكثر إثارة للحيرة في تجارة المخدرات السورية عدم وجود أي استراتيجية أميركية واضحة لمواجهتها. ورغم الاعتراف الدولي بأن ازدهار تجارة “الكبتاغون” سببه المباشر الحرب السورية، فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في وضع أجندة واضحة للمواجهة. وهنا، تشير المؤسسة الأميركية أنه على الرغم من أن عمليات اعتراض “الكبتاغون” الأخيرة في أوروبا الشرقية وتركيا وعبر الشرق الأوسط، قد تم تنفيذها بمعلومات استخبارية، شاركها مسؤولو مكافحة المخدرات الأميركيون، إلاّ أن عمليات الاعتراض هذه لا تعكس استراتيجية واضحة للمواجهة حقاً.
في غضون ذلك، يواصل تجار المخدرات السوريون تحقيق الثروات وزعزعة استقرار المنطقة. فهذه التجارة تخلق مشاكل أمنية ظهرت بوادرها بمقتل ثلاثة أشخاص على الأقل في اشتباكات بين مهربي مخدرات سوريين وقوات الحدود الأردنية في وقت سابق من شهر أيار المنصرم. في موازاة ذلك، اعترضت تركيا ما وُصفت بأنها أكبر شحنة مخدرات على الإطلاق. وتزامن ذلك مع تحذير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من ازدهار تجارة “الكبتاغون” في العراق.
في الأثناء، يبقى لبنان المتضرر الأكبر، كونه يتشاطر حدوداً جبلية مليئة بطرق التهريب مع سوريا، ما خلق ظروفاً وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها تعزز الروابط الإجرامية بين البلدين. لقد أدى تورط لبنان في تجارة “الكبتاغون” الإقليمية إلى وضع اقتصاده المنهار على حافة مقلقة. وهذا ظهر جلياً في أواخر نيسان المنصرم، عندما حظرت وزارة الداخلية السعودية استيراد الفواكه والخضروات اللبنانية، بعد أن كشفت السلطات في جدة أكثر من 5 ملايين حبة “كبتاغون” مخبأة داخل فاكهة الرمان الآتية من لبنان.
دعم الجيش اللبناني
وتعتبر المؤسسة الأميركية أن الجيش اللبناني الذي يُعد محور عمليات مكافحة المخدرات، والضامن المحتمل لمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية، يعيش اليوم في خطرٍ حقيقي وداهم، حين أدى الانهيار الاقتصادي غير المسبوق في لبنان إلى إضعافه بشدة. فالمعنويات منخفضة، والجنود لم يعودوا يتلقون حصص اللحوم، والرواتب فقدت ما يقرب من 90 في المئة من قيمتها، كما أن خطر الانشقاق مرتفع للغاية.
أما الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة بقيمة مليارات الدولارات كمساعدات للجيش اللبناني، والذي تضّمن دعم قدراته على مراقبة الحدود ومكافحة المخدرات. فتراه المؤسسة الأميركية بالضروري، شريطة أن يصاحبه الدعم غير العسكري للحفاظ على الوظائف الأساسية للجيش اللبناني، بما في ذلك الحصص الغذائية والوقود والمساعدات اللوجستية.
وتبرر المؤسسة الأميركية الحاجة الدائمة لدعم الجيش اللبناني بالشرح الآتي: “للجيش اللبناني منتقدون في الولايات المتحدة، لكن يجب أن يُنظر إليه على أنه حصن ضد الانقسام الطائفي في لبنان. في الماضي، أثارت علاقة الجيش اللبناني المعقدة مع حزب الله التوتر في واشنطن. ومع ذلك، يجب أن تدرك السياسة الأميركية البراغماتية أنه رغم عدم قدرة الجيش اللبناني على كبح جماح الجناح المسلح القوي لحزب الله بشكلٍ واقعي، إلاّ أنه سيعاني من أجل البقاء كقوة موازنة للجماعة المدعومة من إيران من دون دعم الولايات المتحدة”.
واستطردت المؤسسة الأميركية “منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في لبنان بتاريخ تشرين الأول 2019، اتُهم الجيش اللبناني باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين الذين طالبوا بإسقاط المؤسسة الطائفية الفاسدة في البلاد. لا شك أن هذه الاتهامات خطيرة ومقلقة. ومع ذلك، لا تزال القوات المسلحة اللبنانية تتمتع بشعبية واسعة، ويمكن القول إنها المؤسسة الوحيدة الشاملة والمتعددة الطوائف في لبنان. ومع تعمق الأزمة في لبنان، تراجعت قيادة الجيش عن إصدار الأوامر لفض الاحتجاجات الشعبية بالقوة، وانحازت بدلاً من ذلك إلى الشعب اللبناني المتنوع الذي من المفترض أن يمثله الجيش”.
ما هي الخطوات المطلوبة؟
وفي إطار توجيه النصائح لإنهاء هذه الحالة الشاذة بين لبنان وسوريا، يمكن للولايات المتحدة، حسب “المجلس الأطلسي”، أن تتخذ خطوات بسيطة راهناً لإنهاء مناخ الإفلات من العقاب. إذ يمتلك المسؤولون الأميركيون ثروة من المعلومات القابلة للتنفيذ بشأن تهريب المخدرات السورية. كما أن وضع استراتيجية واضحة للتكتم عن مصادر المعلومات سيقلل الضغط على المخبرين الرئيسيين داخل سوريا، الذين يترددون حالياً في تقديم بيانات لا تقدر بثمن، خوفاً من الانتقام. ومن نافل القول أن هذه المعلومات حيوية للبحوث التي تشتد الحاجة إليها حول تجارة المخدرات ويمكن أن تدعم نتائج أفضل على الأرض.
وتخلّص المؤسسة الأميركية إلى ضرورة أن تتضمن استراتيجية مكافحة المخدرات الأميركية الإنسانية برامج الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي، واستشارات الصحة العقلية، وعلاج الإدمان، وليس أن تقتصر على المبادرات الأمنية “الصارمة ضد الجريمة” التي تستهدف المستخدمين النهائيين، لا سيما بالنظر إلى العقوبات القاسية على تعاطي المخدرات في منطقة الشرق الأوسط. وبينما تتنوع الأسباب الجذرية لتعاطي المخدرات، لتشمل تفشي البطالة والقمع السياسي والإحباط الذي يجتاح الأجيال. فمن الضروري ضمان التعامل مع طفرة “الكبتاغون” بكونها ليست قضية تمويل مخدرات وحسب، بل كنتيجة لأوجه القصور المستمرة الناجمة عن الحوكمة غير الكفؤة والتدخل الخارجي والضيق الاقتصادي.