الكاتب: يوسف غانم
إذا رجعنا بالزمن قليلاً الى الوراء حتى عام 2001، واستعدنا اللحظة في شهر سبتمبر واكتوبر سنجد أن كل اعلام “الديمقراطيات “في العالم يمهد للولايات المتحدة غزو افغانستان لهزيمة “القاعدة “وإزالة حركة طالبان من الحكم.
كانت القوة الأمريكية في ذروتها وكان الإعلام على امتداد العالم يقف أمام مدفعها، لم يكن هناك صوت واحد للعقل أو صوت واحد للإنسانية، لم يتحدث أحد عن المدنيين ولا عن الطائرات و هي في طريقها لتزيل مدن وقرى من مكانها.
لم يعلق أحد على كلام رئيس الأركان الأمريكي بأن بنك الاهداف انتهى في افغانستان! لم يلتفت أحد يومذاك الى آلاف الهاربين من الجحيم، ومن بقي لديه وخزة ضمير كان يصور مخيمات اللجوء في باكستان والمساعدات تنهمر عليها من كل الاتجاهات لدرجة أن كثيرين من فقراء العالم كانوا يتمنون المبيت في مخيمات اللجوء الافغانية.
كانت المفردات السائدة على لسان السياسيين والاعلاميين قبل العسكريين هي اجتثاث القاعدة وطالبان وكان اسم( بن لادن) يتصدر كل المشهد ومعه الملا عمر وشبكة حقاني (طبعا لم يعد اسمهم المقاتلون من أجل الحرية كما في عام 1979)، بل أصبحوا الإرهابيين (المعايير المزدوجة للغرب لم ولن تتغير ).
بين أكتوبر وديسمبر كانت الأرض تحترق وجبال تورا بورا تهتز حتى أعماقها بأمهات القنابل، وبدأت قوات الناتو تسيطر على الارض بدءا من الحدود الأفغانية الباكستانية بعملية سمتها الولايات المتحدة “الحرية الباقية” ضمن الموجة الأولى من العلمليات العسكرية، أما الموجة الثانية فقد شنتها قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان (إيساف) التي تسلحت بمجلس الأمن الدولي وقراره ولاحقا اندمجت مع الناتو 2003.
عام 2009 بلغ تعداد قوات إيساف قرابة 64.500 جندي من 42 دولة مختلفة مع إمدادت مستمرة من الناتو (مركز قيادة هذه العملية)، وبلغ عدد الجنود من الولايات المتحدة في قوات إيساف قرابة 29,950.
وكان العالم يصحو وعلى امتداد سنوات على أنباء هزيمة طالبان والقاعدة! في كل يوم كنا أمام إنجازات إيساف المبهرة في القضاء على جنود الظلام والشر لارساء قيم العدالة والخير التي استمرت حتى عام 2014 من الحرية الباقية (يمكنك أن تقول الدامية بدون تردد).
ومنذ عام 2015 تغير اسم العملية وأخذت اسم “حارس الحرية ” (تحتاج الحرية الدائمة الى حراس مدججين بترسانات اسلحة نووية!! ).
طبعًا ما بين تاريخ العملية الأولى و اليوم لن أخوض بالمسار السياسي الذي سار على نهر الدماء والدموع، وعلى وقع أصوات الصواريخ والعبوات والانتحاريين ولن أتحدث بالتحولات الأفغانية. لكن لابد من تأمل حارس الحرية وهو يجلس على الطاولة مع ممثلي الملالي في قطر وجهًا لوجه (الملالي الذين طلبوا عام 2001دليلاً من امريكا على ضلوع القاعدة في أحداث 11 سبتمبرولم تلتفت لهم ).
كان الطرفان يجلسان ليشربان القهوة لكن وفد الملالي طلب عدم التدخين في القاعة ! كان يتم تبادل النكات والحديث عن الأخوة السابقةوالعمليات المشتركة ضد السوفييت، وكان “حارس الحرية “الامريكي يفاوض ليس على الحرية وحراستها التي تبين له أنها مكلفة لكن على أمان انسحاب قواته “هنا لايوجد نفط وغاز”.
بعد 20 عاما و هدم دولة على رؤوس أبنائها استفاق الأمريكي على خصوصية الواقع الأفغاني وضرورة مشاركة جميع الأطراف في عملية سياسية أفغانية لصياغة مستقبل أفغانستان، ولكن هذه العملية لم تطلق عليها امريكا إسما !! ربما لان اسمها معروف لكل سياسيي العالم دون أن تتداوله وسائل الاعلام التي تركز في نشراتها على الانسحاب بلا إشارة الى معناه المتجسد بأن”حارس الحرية يسلم رقبتها لطالبان” ليس اقل من ذلك.
عشرون عامًا من الوهم ليعطي حارس الحرية السكين لطالبان لتكمل المهمة ويعلن نيته الانسحاب من هذا البلد بعد ان أمعن فيه تدميرا وخرابا، إنها “الحرية الأمريكية المقدسة”، جودة الصادرات المحملة بالصواريخ والخديعة “بقايا شظايا تماثيل بوذا تبكي”.