حازم الأمين – صحافي وكاتب لبناني
مشهد اللبنانيين في الطوابير على محطات البنزين ليس فشل لأهل السلطة، لا بل هو ثمرة نجاحهم في المهمة التي طرحوها على أنفسهم، والمتمثلة بالسرقة الواضحة وغير الملتبسة..
إذاً طُوِب لبنان رسمياً دولة فاشلة. مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية زف لنا الخبر الذي كنا نعيشه يوماً بيوم! لا شيء جديداً في ما قاله المرصد، لا بل هو أضعف الإيمان إذا ما قيس بما نعيشه يومياً من كوابيس. لكن اليوم صار بين أيدينا مؤشر أكاديمي، وغالباً ما تكون الأكاديميا محافظة وغير متسرعة في تصنيفاتها، وهي أصلاً في اختيارها التصنيف تجنبت ما يجب أن يرافقه لجهة أن لبنان دولة نُهبت، ودولة احتُلت، وأن ثمة سلطة وراء الدولة هي أقبح ما عاشه لبنان منذ تأسيسه.
من هي السلطة الفاشلة يا مرصد الأزمة؟ من هم الفاشلون؟ اللبنانيون يعرفونهم واحداً واحداً. لا بأس باستعارة ألسنتهم ونحن نندب حظوظنا بهم. الرئيس فاشل، وصهره فاشل، و”حزب الله” من ورائهما فاشل، ذاك أنه أقام دولته على هذا الهراء كله وهذا الفساد كله، وسعد الحريري أكثرهم فشلاً ودار الفتوى الحريصة على حقوق الطائفة السنية دون حقوق اللبنانيين، بدورها فاشلة. ووحده نبيه بري ليس فاشلاً، ذاك أنه لم يضع يوماً نفسه في موقع الفشل والنجاح. هو يشتغل على ايقاعٍ مختلف تماماً.
أنا أب فاشل طالما أن ابني يستيقظ في الصباح ويسألني أن أنجده في وسيلة لوصوله إلى الانترنت كي ينضم إلى صف التعليم من بعد، وأعجز عن نجدته. الفشل هنا هو أضعف الايمان. ولكي نرد عن أنفسنا هذه النقيصة يجب أن ندفع العبارة خطوة أبعد. فالفاشل هو من يمتلك مشروعاً يفشل في تحقيقه! هؤلاء يا مرصد الأزمة ليسوا فاشلين. هذا مشروعهم أصلاً. نرجوكم ألا تتوهموا غير ذلك. بماذا فشل جبران باسيل؟ لقد حقق ثروة كبيرة. من فشل هم المقترعون الذين أعطوه أصواتهم. رجل مثل وليد جنبلاط لم يكن يوماً على هذا القدر من النجاح. هو بالنسبة إلى الدروز “عمود السما”، فما أن يشيح بوجهه عنهم حتى تسقط السماء على رؤوسهم. صحيح أنهم جائعون لكنه يقيهم مما هو أفدح من الجوع.
لنقترح على مرصد الأزمة تصنيفاً آخر لأحوالنا من قبيل “نحن الفاشلون، وهم الفاسدون” قد يكون هذا التصنيف أكثر دقة. هم ليسوا فاشلين! بماذا فشلوا حتى نفتئت عليهم بهذا الوصف. فالتصنيف ينطوي على افتراض أنهم طرحوا على أنفسهم إدارة ناجحة للدولة وفشلوا! النجاح بهذه المهمة آخر همومهم، فما كانوا بصدده أنجزوه، والخطوة الأخيرة كانت إنجاز مهمة تحويل أرصدتهم إلى الخارج بعدما أطبقت المصارف على مدخرات اللبنانيين. أرصدتهم التي راكموها على مدى عقود من الفساد والنهب، وهي عبارة عن موازنات دفعها مصرف لبنان عبر الهندسات المافيوية مستعيناً بودائعنا. نجاحهم تمثل في دورة مالية رهيبة. اللبنانيون يدخرون في المصارف، والأخيرة تستكتب فيها لمصرف لبنان، فيما الأخير يحولها إلى الحكومة التي تتولى بدورها توظيفها في الفساد، فتتراكم ثروات الفاسدين ويُفلس اللبنانيون. هل من نجاح أوضح من هذا النجاح، وهل من مهمة أنجزت أكثر رشاقة من هذه المهمة؟ فليعد الأصدقاء في مرصد الأزمة النظر في استنتاجهم!
أما مشهد اللبنانيين في الطوابير على محطات البنزين فهذا ليس فشل لأهل السلطة، لا بل هو ثمرة نجاحهم في المهمة التي طرحوها على أنفسهم، والمتمثلة بالسرقة الواضحة وغير الملتبسة، والدليل ما بدأ يرشح من أخبار عن تضخم أرصدتهم في المصارف العالمية.