في ظل التأخير الذي يعرفه ملف تشكيل الحكومة، أطلقت الرئاسة اللبنانية، اليوم الثلاثاء، سلسلة مواقف تصعيدية بوجه رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، ورئيس البرلمان نبيه بري وبعثت رسائل للمعنيين مفادها أن تأليف الحكومة يمرّ من قصر بعبدا الجمهوري، أي عند الرئيس ميشال عون.
وهاجم مكتب الإعلام في الرئاسة مبادرة بري المدعومة من “حزب الله” بأسلوبٍ غير مباشر بعدما ذكر في بيان أن “المرجعيات والجهات التي تتطوع مشكورة للمساعدة في تأليف الحكومة، مدعوة إلى الاستناد إلى الدستور والتقيد بأحكامه وعدم التوسع في تفسيره لتكريس أعراف جديدة ووضع قواعد لا تأتلف معه، بل تتناغم مع رغبات هذه المرجعيات أو مع أهداف يسعى إلى تحقيقها بعض من يعمل على العرقلة وعدم التسهيل، وهي ممارسات لم يعد من مجال لإنكارها”.
وأضاف “تطالعنا من حين إلى آخر تصريحات ومواقف من مرجعيات مختلفة تتدخل في عملية التأليف، متجاهلة قصداً أو عفواً ما نصّ عليه الدستور من آلية من الواجب اتباعها لتشكيل الحكومة، والتي تختصر بضرورة الاتفاق بين رئيس الجمهورية (عون) والرئيس المكلف (الحريري) المعنيين حصرياً بعملية التأليف وإصدار المراسيم”.
وأكملت الرئاسة اللبنانية انتقادها ما سمته “الزخم المصطنع الذي يفتعله البعض في مقاربة ملف تشكيل الحكومة”، مشددة على أن “لا أفق له إذا لم يسلك الممر الوحيد المنصوص عنه في المادة 53 من الدستور”، أي أن مرسوم تشكيل الحكومة يصدر بالاتفاق بين عون والحريري.
وقالت مصادر مقرّبة من رئيس البرلمان لـ”العربي الجديد” إنّ “عين التينة (مقرّ رئيس البرلمان في بيروت) تشهد ورشة نقاشات في مضمون بيان المكتب الإعلامي للرئيس عون التي تعتبر أن سهامه موجّهة إلى بري وهي تدرس مواقفها في وقت ترى أن التهدئة مطلوبة اليوم بدل المواقف التصعيدية”.
وأشارت المصادر ذاتها، التي اشترطت عدم ذكر اسمها، إلى أن “اللقاء بين الحريري وبري لن يحصل بالمبدأ اليوم الثلاثاء كما كان منتظراً، وهناك حالة من الضياع والفوضى على صعيد الملف الحكومي والخطوات المقبلة، منها اعتذار الحريري الوارد بأي لحظة”.
من جهتها، نفت أوساط الرئاسة اللبنانية نية عون تعطيل عملية تأليف الحكومة، مضيفة في تصريح لـ”العربي الجديد” أنه “لا يمكن له أن يقف متفرجاً على التجاوزات الفاضحة لدوره، والتدخلات المستمرّة بينما هناك تجاهل تام لموقع رئاسة الجمهورية ومكانتها، حيث إن على الرئيس المكلف أن يبحث التشكيلة الوزارية مع الرئيس عون وفي قصر بعبدا وهو ما لا يفعله الحريري”.
وأكدت أوساط الرئاسة، التي اشترطت كذلك عدم كشف هويتها، رفضها لطريقة إظهار ألا بدائل عن الحريري (وهو ما أكده بري أمس) وأن اعتذاره يعني الفراغ والخراب، مشددة بالقول “نحن أول من حذرنا أن المماطلة في تأليف الحكومة ستودي بالبلاد إلى جهنّم وها نحن نعيش تداعيات التأخير التي تتفاقم مع مرور الوقت من دون حكومة إنقاذية إصلاحية”.
وأضافت المصادر ذاتها “نحن ما زلنا ندعم تشكيل حكومة برئاسة الحريري ولكنه لم يقم بواجباته بعد حوالي 9 أشهر على تكليفه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فمتى ينوي ذلك فيما الوطن ينهار على مختلف المستويات؟”، موضحة أن “الحريري لا يمكنه احتجاز الملف الحكومي إلى أجل غير مسمّى”.
وبالتزامن مع صدور بيان الرئاسة، عقد رئيس البرلمان لقاء مع السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو في عين التينة حيث الملف الحكومي الطبق الرئيسي على طاولة المباحثات.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ”العربي الجديد”، اشترط عدم ذكر اسمه، إنّ السفيرة الفرنسية تؤكد لكلّ من تلتقيهم من شخصيات سياسية لبنانية حرص فرنسا على مواصلة جهودها لمساعدة الشعب اللبناني تحديداً والمؤسسة العسكرية التي تطاولها أيضاً شرارات الأزمة النقدية والمعيشية.
وأضاف أن غريو تبحث كل السبل المتاحة للوقوف إلى جانب المواطنين في محنتهم وخصوصاً على صعيد الأمن الغذائي كما الصحي، وتحشد لنيل الدعم اللازم حيث ترى باريس أن اللبنانيين يجب ألا يدفعوا ثمن ممارسات قادة البلاد وتنصلّهم من واجباتهم وإهمالهم وجع الناس ومعاناتهم، على حد تعبيره.