قمة بايدن – بوتين: تحديد قواعد اللعبة وتنظيم للمواجهة
من ضمن جدول أعمال القمة الأميركية الروسية مناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط (فرانس برس)
في أول قمّة بينهما، يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظيره الأميركي جو بايدن، غداً الأربعاء، في مدينة جنيف السويسرية، وسط توقعات بأن يتركز جدول أعمال اللقاء على قضايا الاستقرار الاستراتيجي وآليات استئناف الحوار وتحسين العلاقات بين البلدين، التي لم تكف عن التدهور منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014، حتى وصولها إلى أدنى مستوى لها منذ عهد الاتحاد السوفييتي.
وكشف الكرملين، اليوم الثلاثاء، عن برنامج قمة الرئيسين، المقرر عقدها في جنيف يوم غدٍ الأربعاء، في فيلا “لا غرانج” التاريخية في جنيف، التي يعود بناؤها للقرن الـ18.
وأوضح معاون الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، في تصريحات تناقلتها وسائل إعلام روسية، أنّ بوتين سيصل غداً إلى جنيف، حيث سيستقبله الرئيس السويسري، غي بارميلين، بفيلا “لا غرانج”، ثم سيصل بايدن إلى هناك، وسيبدأ لقاء بوتين وبايدن بعد مراسم التقاط الصور وكلمة بارميلين.
وأضاف أوشاكوف: “خُطِّط لأن تتكون المحادثات من ثلاثة أجزاء، أولها في إطار ضيق، ثم موسع، ففاصل قصير لتناول الشاي والقهوة ومواصلة المفاوضات”، وبعد ذلك، سيتحدث الرئيسان بمؤتمرين صحافيين منفصلين، وبعد انتهاء القمة، سيلتقي بوتين نظيره السويسري.
وإلى جانب أوشاكوف، يضم الوفد المرافق لبوتين أثناء القمة، وزير الخارجية، سيرغي لافروف، والناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، والسفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنطونوف، ورئيس هيئة الأركان العامة، فاليري غيراسيموف، ونائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، ونائب مدير ديوان الرئاسة الروسية، دميتري كوزاك، والمبعوث الروسي للتسوية السورية ألكسندر لافرينتييف.
وأشار معاون الرئيس الروسي إلى أن لافروف سيشارك في الجزء الضيق من المحادثات من الجانب الروسي، بينما سيشارك فيها من الجانب الأميركي وزير الخارجية أنتوني بلينكن.
وأضاف أن موسكو وواشنطن قد اتفقتا على جدول أعمال القمة، ليشمل وضع وآفاق الدفع بالعلاقات الروسية الأميركية، وقضايا الاستقرار الاستراتيجي ومكافحة الجرائم الإلكترونية والتعاون الاقتصادي والمناخ ومنطقة القطب الشمالي، ثم القضايا الإقليمية مثل الأوضاع في الشرق الأوسط وسورية وليبيا والبرنامج النووي الإيراني وأفغانستان وشبه الجزيرة الكورية وإقليم ناغورنو كاراباخ وأوكرانيا.
ولم يستبعد أوشاكوف احتمال تطرق الرئيسين إلى قضايا أخرى، مثل بيلاروسيا والمعارض الروسي المعتقل أليكسي نافالني.
وقمة جنيف هي أول لقاء بين الرئيسين الروسي والأميركي منذ اجتماع بوتين بنظيره الأميركي السابق، دونالد ترامب، على هامش قمة مجموعة دول العشرين في مدينة أوساكا اليابانية في يونيو/حزيران 2019.
ومن مؤشرات الرهان الروسي على تحقيق تقدم في بعض الملفات العالقة مع واشنطن، صدور تصريحات إيجابية من موسكو عشية القمة المرتقبة، كإشادة الكرملين بخبرة بايدن السياسية، وتعبيره عن آمال بوضع آليات للتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة.
لكن مستشار في الكرملين قال إنّ من غير المرجح أن يسفر الاجتماع بين الرئيسين عن اتفاقات ملموسة، لكن المحادثات ستكون مفيدة رغم ذلك. وقال يوري أوشاكوف، مستشار بوتين للسياسة الخارجية، للصحافيين، إنه أُكِّد جدول الأعمال – باستثناء البيانات الختامية – في اتصاله الهاتفي مع جيك سوليفان، مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، أمس الاثنين.
وأضاف، بحسب ما نقلته “رويترز”، أنّ جدول الأعمال يشمل قضايا الاستقرار النووي وتغير المناخ والأمن الإلكتروني ومصير مواطنين أميركيين وروس مسجونين لدى كل من البلدين. وقال أوشاكوف، للصحافيين، في تصريحات سُمح بنشرها، اليوم الثلاثاء: “لست متأكداً من التوصل إلى أي اتفاقات. أنظر إلى هذا الاجتماع بتفاؤل عملي”.
بدوره، توقع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أن تسفر أول قمة بين بوتين وبايدن عن عودة السفيرين الروسي والأميركي إلى موسكو وواشنطن، مستبعداً في الوقت نفسه احتمال أن يسفر اللقاء عن أي اختراق واسع النطاق في العلاقات بين البلدين.
ورجح ريابكوف، في حوار نشر بصحيفة “إزفيستيا” الروسية في عددها الصادر، اليوم الثلاثاء، أن “إحدى نتائج القمة قد تكون قرار الرئيسين إعادة السفيرين، ومباشرتهما العمل على تحقيق التفاهمات والاتفاقات التي سيتم التوصل إليها خلال القمة. سيكون ذلك إشارة هامة، ولا شك أن صفحة صعبة للغاية ما يتم طيها ويبدأ شيء جديد”. وأضاف: “من جانب، من السذاجة أن نتوقع اختراقات واسعة النطاق وبعيدة المدى نظراً للوضع الذي وصلت إليه بسبب الولايات المتحدة. من جانب آخر، إذا لم يتم وضع قاعدة للمضي قدماً، فإن هذه الاختراقات لن تحدث أبداً، وهذا أمر غير مسموح به أيضاً، على الأرجح”.
الجدير بالذكر أن السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنطونوف، عاد إلى موسكو للتشاور في مارس/ آذار الماضي بعد خروج بايدن عن المألوف وإقراره في مقابلة تلفزيونية بأن بوتين “قاتل”، بينما غادر السفير الأميركي لدى روسيا، جون ساليفان، موسكو، بعد مرور نحو شهر على ذلك في إبريل/ نيسان الماضي.
وكان بوتين قد استبق اللقاء بالإشادة بخبرة بايدن مقارنة بسلفه، دونالد ترامب. وقال بوتين، في حوار مع شبكة “أن بي سي” الأميركية: “الرئيس بايدن يختلف، بالطبع، جذرياً عن ترامب، لأنه محترف وعمل طوال حياته الواعية في السياسة”. وأضاف: “هذا شخص مختلف. هناك إيجابيات وسلبيات، ولكنني آمل كثيراً أنه لن تكون هناك حركات اندفاعية من قبل الرئيس الجديد، وأننا سنلتزم بقواعد ما للتواصل، وسنتمكن من الاتفاق على أمور وإيجاد نقاط التلاقي”.
وفي تصريحات أخرى للتلفزيون الروسي، أعرب بوتين عن أمله أن تسفر قمته مع بايدن عن وضع آليات للتعاون على مختلف الاتجاهات، مؤكداً مشاطرته موقف الجانب الأميركي بأن هناك عدداً من القضايا موضع الاهتمام المتبادل، مثل الاستقرار الاستراتيجي وتسوية النزاعات الإقليمية وحماية البيئة والتعاون في مجال الاقتصاد.
وفي هذا الإطار، ثمّة إجماع بين الخبراء الروس على أهمية عقد القمة الروسية الأميركية في حدّ ذاته، وما قد يتمخض عنها من حوار في قضايا الاستقرار الاستراتيجي وتطبيع العلاقات الدبلوماسية، من دون حصول انفراجة كاملة في المدى المنظور، للأزمة في العلاقات.
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أنّ أهمية القمة المرتقبة تكمن في تحديد قواعد اللعبة على الساحة الدولية لاستبعاد أي تصعيد محتمل بين أكبر قوتين نوويتين.
ويقول كوكتيش، في حديث لـ”العربي الجديد”: “من المهم التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد اللعبة. يبدو أن الولايات المتحدة ستسعى لوضع القواعد التي ستؤدي روسيا فيها دور “الفتى السيّئ” لتبرير الاستثمارات في مجال الأمن. أما روسيا، فترى أن وضع أي قواعد، أفضل من انعدامها، حتى يتسنى التوصل إلى اتفاقات في مجال الأمن الدولي، حيث إن حدوث صدام عسكري يبن أكبر قوتين نوويتين قد يؤدي إلى انحراف الأرض عن محورها”.
وفي معرض إجابته عن سؤال عن وجود فرق لروسيا في التعامل بين إدارتي بايدن وترامب، يضيف: “لا فرق بالنسبة إلى روسيا بين ترامب وبايدن، حيث إن موسكو تنطلق من أن أياً منهما يمثل مصالح بلاده. والعلاقات الشخصية الطيبة بين بوتين وترامب لم تساعد في تحسين العلاقات بين موسكو وواشنطن، حيث إن الولايات المتحدة كانت تعيش حالة من الانقسام الداخلي، ولا تزال”.
بدوره، يتوقّع الخبير في الشأن الأميركي في المجلس الروسي للشؤون الدولية (منظمة غير ربحية معنية بدعم اتخاذ القرار في مهام السياسة الخارجية الروسية)، أليكسي ناوموف، أن تركز قمة بوتين وبايدن على قضايا التطبيع الدبلوماسي وعودة السفيرين، والأسلحة الاستراتيجية، وتحديد ملامح المواجهة “المتحضرة” على غرار الوضع في أثناء “الحرب الباردة” في الحقبة السوفييتية.
ويرى ناوموف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هناك إدراكاً أن القمة لن تؤدي إلى أي اختراق أو تحسن سريع في العلاقات، إلا أننا يمكننا أن نتوقع تنظيماً للمواجهة على الطريقة المتحضرة”. ويضيف: “صحيح أن هناك مجالات فيها خلافات لا يمكن تسويتها، ولكنْ هناك أيضاً خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها على غرار المواجهة السوفييتية الأميركية، حين كان الجانبان يدركان حدود المسموح والممنوع”.
وحول بعض النتائج التي قد تنجم عن القمة، يرى ناوموف أن “أول ما يمكن أن نتوقعه، تطبيع العلاقات الدبلوماسية وعودة السفيرين واستعادة العمل الاعتيادي للسفارتين، الروسية لدى الولايات المتحدة، والأميركية لدى روسيا”.
وفي ما يتعلق بالنتائج الأمنية المنتظرة من القمة، يتوقع ناوموف أن تؤدي القمة “إلى بدء مفاوضات موضوعية في الأسلحة الاستراتيجية”. ويوضح في هذا الإطار أنه “صحيح أن تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت 3) لمدة خمس سنوات أمر جيد، ولكنه يجب أيضاً التحدث عن القوات الاستراتيجية غير النووية ومعايير الردع الأخرى”.
ويتوقع الخبير الروسي أن “يتحدث الرئيس الأميركي خلال القمة عن قضايا حقوق الإنسان، وقضية المعارض الروسي المعتقل، ألكسي نافالني، والملف الأوكراني، لكن يرى أن “روسيا لن تناقش هذه القضايا بموضوعية، بل يمكن بوتين أن يذكّر بايدن رداً على ذلك بمعتقل غوانتانامو وحادثة مقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد”.
بدوره، يلفت مدير معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاليري غاربوزوف، إلى أن الآمال في التوصل إلى اتفاقات محددة في القمة الروسية الأميركية كانت منخفضة أصلاً، نظراً لعقدها بعد الحوار التلفزيوني المثير للضجة للرئيس الأميركي ووصول العلاقات إلى مأزق عميق، معتبراً أن مهمة مثل هذه اللقاءات هي إقامة اتصالات شخصية وإمكانية استئناف الحوار المتوقف.
ويعتبر غاربوزوف، في مقال نشرته صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا”، اليوم الثلاثاء، أنّ “حقيقة القمة غير المثمرة في حدّ ذاتها هي نوع من النجاح في مثل هذه الظروف”، شرط أن تشكل انطلاقة للمشاورات في إطار ما يسمى “التعاون الانتقائي” الذي تعتزم الإدارة الأميركية الحالية أن تسترشد به حيال روسيا، وفق الكاتب.
يذكر أن آخر قمة روسية أميركية عقدت في يونيو/ حزيران 2019، حين التقى بوتين نظيره ترامب على هامش قمة مجموعة دول الـ20 في مدينة أوساكا اليابانية. وخسر ترامب الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، دون أن تتحقق رهانات روسيا على تحسين العلاقات في عهده.