الأسر اللبنانية تتفكك: سنوات الحب لا تطعم خبزاً
راما الجراح
بعد مرور تسعة عشر عاماً على زواجهما وإنجابهما ستة أولاد، تقدما بدعوى تفرقة إلى الأبرشية وينتظران قرار الكنيسة بعد اتفاقهما على بطلان عقد الزواج، تقول ترايسي الزوجة والأم “اعتدت على وجود عاملة في المنزل طوال سنوات زواجي من غابريال، لكن بعد تردي الأوضاع المعيشية لم يعد باستطاعتنا تأمين راتبها الشهري الذي أصبح بحدود ١٥٠ دولاراً أي يساوي نصف راتب غابريال الذي أساساً لم يعد يكفي حاجات منزلنا اليومية على مدار الشهر، بسبب الغلاء الفاحش للأسعار”.
وعلى الرغم من وعيها لحال البلاد والأزمة التي تمر بها الكثير من العائلات، تشير إلى أن “جو التوتر الذي ساد في المنزل بعد إنهاء خدمة العاملة الاثيوبية عندنا لم يعد يطاق، لم أستطع التأقلم مع عمل المنزل والاهتمام بزوجي وعائلتي ونفسي في الوقت نفسه”،
ويؤكد غابريال بدوره كلام زوجته قائلاً: “بس وقّفت العاملة عن شغل البيت عنا خربت الدني بيني وبين زوجتي، ما عم تتقبل فكرة ما بقى قادر عيّشها متل قبل ولقيت انو ننفصل أريحلنا لأني بلشت آخد دواء أعصاب”.
مشكلات أسرية خطيرة
أدت الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها لبنان والتي تفاقمت مع تفشي وباء كورونا إلى مشكلات إجتماعية خطيرة، بحسب دراسة أعدتها “الدولية للمعلومات”، إذ “بلغت عقود الزواج ٢٢ ألف بينما بلغت عقود الطلاق ٨ آلاف و١٠٠، ما يُظهر ارتفاعاً كبيراً بنسبة الطلاق وتراجع في عقود الزواج، وبالمقارنة بين هذه النسب والنسب منذ عام ٢٠٠٩ الى عام ٢٠١٩ التي تبين ارتفاعاً في عقود الزواج بنسبة ١٦٪ بالمقابل ارتفاع في عقود الطلاق بنسبة ٢٨٪ أي ما نسبته ٦٥٪ من عقود الطلاق تعود للعامين السابقين، وهذه ظاهرة لافتة يجب الوقوف عندها من قبل المختصين بالقضايا الاجتماعية كي لا نشهد في مجتمعنا تفككاً للأسر اللبنانية”.
وبحسب الأرقام الصادرة عن الأحوال الشخصية، تراجعت معدلات الزواج بنسبة ١٨٪ وبالتالي تراجعت معدلات الطلاق بنسبة ٩٪ فقط وهذه مؤشرات يمكن لمس تأثيراتها في حال استمرت بالارتفاع بعد سنتين أو أكثر وقد تؤدي إلى خلل في البنية الاجتماعية التي اعتاد عليها لبنان ويستدعي دق ناقوس الخطر.
البطالة ومعجزة العيش
كما هو حال ترايسي وغابريال، لم تنفع خمس سنوات الحب التي تكللت بالزواج بين سليمان وزوجته وانجابهما لولدين، من الوقوف في المحكمة الشرعية وطلب زوجته الطلاق بعد توقفه عن العمل في الشركة التي كان يعمل فيها، بسبب عدم قدرة شركة على دفع رواتب للعمال.
عجز سليمان عن إيجاد عمل آخر حتى أصبحت حالة العائلة المعيشية في المنزل صعبة جداً وتقول الزوجة: “بالرغم من أنه عاطل عن العمل، صبرت على هذه الحال مع ولدي فترة سنة كاملة علّه يعمل “عتّال” لنشعر أنه مهتم بأمرنا، لكن لم يحصل ذلك، ووصل الأمر معه إلى ضربي بسبب الاجواء المشحونة بالعصبية في المنزل وهو يبرر تصرفه أن واقع الحال يفقده السيطرة على أعصابه، ولكن في الحقيقة هذه المرة أنا فقدت السيطرة ولم أعد أحتمل العيش معه”.
شحادة: ارتفاع نسب الطلاق
يقول الشيخ بلال شحادة رئيس القلم في المحكمة الشرعية في برالياس لــ “لبنان الكبير” أنه “في مقارنة سريعة بين نسب الطلاق والزواج في منطقة البقاع، نلاحظ أن هناك ارتفاعاً كبيراً في نسب الطلاق، وأن ما نسبته ٧٥٪ من الأخوة السوريين أصبح تواجدهم شبه دائم في المحكمة الشرعية والبقية من اللبنانيين، والملفت أنه عند السوريين نسب الطلاق المرتفعة يقابلها نسب زواج مرتفعة، فعندما تغضب المرأة وتحزن في بيت زوجها يذهب ويتزوج امرأه أخرى بكل سهولة، وبعد فترة يرغب باسترجاع امرأته الأولى إلى المنزل وفي هذه الحالة يعقد نية الطلاق على الأخرى، ولديهم أيضاً عقود طلاق بنسبة كبيرة خارج المحكمة ونحن نحاول الحد منها”.
أما بالنسبة لزواج القاصرات، فيقول: “صدر قرارات عن المحكمة العليا والمجلس الشرعي بمنع زواج القاصرات بأي شكل من الأشكال ونحن ملتزمون ونشدد على هذا القرار، لا أحد يستطيع غض النظر عن أن جائحة كورونا والحجر المنزلي الذي فرض علينا ساعد في ارتفاع وتيرة المشكلات داخل المنازل، وأصبح الوضع أصعب في المحكمة، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان، فمهما حاولنا فرض نفقة للزوجة يُعتبر المبلغ قليلاً، بالمقابل مهما فرضنا على الزوج نفقة يعتبر كثيراً، بمعنى إذا الشخص كان يتقاضى راتب مليون ليرة لبنانية أي أقل من مئة دولار اليوم ما هي النفقة التي سيستطيع دفعها لأولاده”.
الحياة صارت تشبه الأفلام والمسلسلات
ويُلفت شحادة إلى أن “الغالبية المُقبلة على الطلاق هم فئة حديثي الزواج، بداية بسبب الوضع المادي، عجز الرجل عن تحمل المسؤولية، والحجر المنزلي جعلهم يكتشفون عيوب بعضهم بشكل أوضح لم يكترثوا لها من قبل، وأكرر قول الله عز وجل “وجعل بينكم مودة ورحمة”، وعندما يُفقد هذان العنصران من المنزل، أرى الزوجان في المحكمة بقلوب قاسية جداً، وتصل الأمور أنه بسبب كره الزوج لزوجته يكره أولاده أيضاً ويكون على استعداد للتخلي عنهم والعكس صحيح، وهنا يقع الأولاد ضحية. فالزواج لا يُبنى فقط على الحب، إنما هناك بالإضافة إلى الحب والمودة والرومانسية يبنى على مصلحة الأولاد وصلاح المنزل وأهله، فهناك مسؤولية كبيرة على الرجل والمرأه، والحياة الزوجية لا تشبه ما نشاهده في الأفلام والمسلسلات”.
صليبا: فروقات النسب لا تعني الانهيار
بدوره، المطران جورج صليبا من منطقة زحلة، يؤكد أن “هناك نسب بطلان زواج وإقبال خفيف على الزواج وهذا الأمر طبيعي بسبب الأزمة التي نمر بها والتي أثرت اقتصادياً ونفسياً على العائلة، ولكن في الوقت نفسه برأيي أنه لا يمكن لأحد أن يحكم على النسب وعلى تأثيرها على المجتمع إلا بعد سنتين أو أكثر عليها، وبالتالي اليوم لا يمكننا القوم أننا ننهار اجتماعياً ولكننا نستطيع ملاحظة الفروقات”.
ويضيف “المشكلات بين الزوجين اليوم تتفاقم من ناحية عدم القناعة بالواقع الذي نصل إليه يوماً بعد يوم، فالكتاب المقدس يقول “وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة”، بمعنى أن الإنسان يجب أن يقتنع بحاله والأوضاع حوله ليرتاح، أما إذا أراد انتظار اي فرصة ليتحجج بها، فهذا من المؤكد أنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى بطلان الزواج”.
يمكن الجزم أن لبنان دخل المرحلة الأخطر في تاريخه، لم يكف الانهيار الاقتصادي والأزمات الصحية والسياسية والأمنية، بل بدأنا التخبط في النظام المجتمعي وانقضاض كل هذه الأزمات على الأسرة، فوضعها في واقع الحال على شفير الهاوية.