سميح صعب
بعد العلاقات الثنائية، التي لها الأولوية على جدول أعمال قمة جنيف بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين الأربعاء المقبل، سيكون الملف السوري من بين مواضيع النقاش التي سيتناولها الرئيسان، لكن كلاً من منطلقه على غرار أزمات إقليمية أخرى تختلف واشنطن وموسكو على كيفية مقاربتها. يعتزم بايدن طرق الأزمة السورية من الباب الإنساني. أي مسألة فتح أكثر من معبر من تركيا والعراق والأردن لنقل المساعدات إلى السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة السورية. ومعلوم أنه في الوقت الحاضر يقتصر إدخال المساعدات، التي تشرف على توزيعها الأمم المتحدة بتفويض من مجلس الأمن، على معبر باب الهوى التركي. وإظهاراً للإهتمام الأميركي بهذه المسألة، توجه وزير الخارجية أنطوني بلينكن بنداء إلى مجلس الأمن في أذار/ مارس الماضي ناشد فيه إتاحة وصول المساعدات “من دون عوائق” لأكثر من 3.4 ملايين شخص في شمال شرق سوريا وفي شمال غربها. وكرر بلينكن هذا النداء خلال جلسة إستماع في الكونغرس الأسبوع الماضي. وطارت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس غرينفيلد إلى تركيا مؤخراً، من أجل حشد الدعم لخطوة توسيع إيصال المساعدات عبر فتح المزيد من المعابر من تركيا والعراق. وإستناداً إلى ثلاثة مصادر على إطلاع على الجهد الأميركي في هذا الشأن، كتب كولوم لينش في موقع مجلة “فورين بوليسي” الأميركية قبل أيام، أن “بايدن يخطط للضغط شخصياً على بوتين لتوسيع توزيع المساعدات داخل سوريا خلال القمة التي ستجمعهما، مما يعزز دور الولايات المتحدة في منع كارثة إنسانية أخرى في قلب الشرق الأوسط ويختبر إحتمال إنتزاع تنازلات من أشد خصوم الولايات المتحدة”.
لينا الخطيب: المرونة الروسية لن تكون مجانية في الشأن السوري الذي تعتبر موسكو أنه كان جزءاً أساسياً من إعادة المكانة الجيوسياسية لروسيا في العالم بدوره، بدا الخبير في شؤون الأمم المتحدة لدى “مجموعة الأزمات الدولية” ريتشارد غوان أكثر وضوحاً، عندما إعتبر أن “المناورة الديبلوماسية (المتعقلة بفتح المزيد من المعابر مع سوريا) توفّر أيضاً فرصة لتحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستجد مساحات للعمل بشكل بناء مع روسيا”. وأضاف أن “الولايات المتحدة تجعل المسألة بمثابة اختبار للعلاقة مع موسكو، ليس فقط في ما يتعلق بسوريا ولكن على نطاق أكثر شمولاً.. هذا إختبار لمعرفة ما إذا كان الروس راغبون في المساومة على أي شيء في المطلق”. إذن، مسألة فتح المزيد من المعابر لإدخال المساعدات إلى مناطق سيطرة المعارضة، ستكون بمثابة إختبار لمدى التجاوب الروسي مع المبادرة “الإنسانية” الأميركية قبل الإنطلاق إلى جوانب أخرى من هذه الأزمة. وتبذل أميركا جهودها قبل 10 تموز/ يوليو، موعد تجديد قرار مجلس الأمن المتعلق بتفويض المنظمة الدولية الإشراف على توزيع المساعدات على السوريين في مناطق سيطرة المعارضة. وكان القرار نصّ في الأصل عام 2014 على إدخال المساعدات من معبري باب الهوى وباب السلام التركيين ومعبر اليعروبية العراقي ومعبر الرمثا الأردني. لكن موسكو تؤازرها بكين وضعت “فيتو” على ثلاثة معابر، إنطلاقاً من موقفها الداعي إلى ضرورة إشراف الحكومة السورية على توزيع المساعدات نظراً إلى كونها لا تزال صاحبة السيادة على أراضيها بما فيها تلك الواقعة تحت سيطرة المعارضة. وترد الأمم المتحدة على الدعوة الروسية بأن الحكومة السورية رفضت أن تمر قوافل الأمم المتحدة عبر خطوط التماس إلى مناطق المعارضة. في خلفية الموقف الروسي، يكمن الصدود الغربي لدعوة موسكو قبل ثلاثة أعوام إلى إطلاق برنامج إعادة إعمار سوريا وإعادة اللاجئين، بعدما كانت دمشق استعادت بحلول 2018 السيطرة على معظم الأراضي التي كانت خسرتها في الحرب التي إندلعت في العام 2011. لا بل ذهب الأوروبيون إلى تجديد عقوباتهم الدورية على سوريا وإضافة كيانات جديدة إليها في كل مرة، بينما وضعت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب “قانون قيصر” للعقوبات القاسية موضع التنفيذ في حزيران/ يونيو من العام الماضي، مما أحكم الحصار الإقتصادي والمالي على مناطق سيطرة الحكومة السورية. (مقال الزميل علاء حلبي في موقع 180 بوست بتاريخ 11-6-2021 يلقي الضوء على الوضع الإقتصادي الصعب في سوريا). وأمام تصعيد الضغط الإقتصادي الغربي، ذهبت موسكو إلى حد التلويح بإحتمال وضع “فيتو” على تجديد برنامج إدخال المساعدات من معبر باب الهوى التركي أو حتى إلغائه بالكامل أو في أحسن الأحوال تقصير مدة التفويض من سنة إلى ستة أشهر. الواقعية السياسية تفترض أن روسيا تريد أكثر من مقاربة إنسانية للأزمة السورية، وتدرك أن التسوية في سوريا مستحيلة من دون إتفاق مع أميركا، وأن عملية التطبيع التي تسعى لها موسكو بين الخارج ودمشق لن تحصل إلا بضوء أخضر أميركي وهنا التعويل على إمكان ما ستخرج به قمة جنيف على هذا الصعيد، وهل في الإمكان أن يتوصل بايدن وبوتين إلى حل وسط في هذا الشأن، علماً أن المرونة الروسية لن تكون مجانية في الشأن السوري الذي تعتبر موسكو أنه كان جزءاً أساسياً من إعادة المكانة الجيوسياسية لروسيا في العالم، وفق ما تستخلص مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتهام هاوس لينا الخطيب في مقال نشرته “فورين بوليسي”. والواقعية السياسية تفترض أن روسيا تريد أكثر من مقاربة إنسانية للأزمة السورية، وتدرك أن التسوية في سوريا مستحيلة من دون إتفاق مع أميركا، وأن عملية التطبيع التي تسعى لها موسكو بين الخارج ودمشق لن تحصل إلا بضوء أخضر أميركي. لكن حتى الآن لا يبدو أن أميركا قد وضعت مقاربة جديدة للوضع السوري، غير تلك المعتمدة من أيام باراك أوباما ودونالد ترامب، والقائمة على فرض عقوبات على النظام وتشديدها من حين إلى آخر، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين في مناطق سيطرة المعارضة ومحاولة منع تنظيم “داعش” من العودة مجدداً من طريق دعم “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمودها الفقري. وهذه المقاربة لا تأخذ في الحسبان التطورات العسكرية والسياسية التي حصلت منذ التدخل الروسي في سوريا عام 2015. ويشدد المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري على أن “بوتين لن يوافق على فتح المعابر مع سوريا من دون مقابل، لا بل إن الروس سيضغطون للحصول على تنازلات (أميركية)”. لا بد أن قمة جنيف التي يريدها بايدن أن تكون إختباراً لمدى تجاوب روسيا مع المبادرات الأميركية، يريدها بوتين أيضاً إختباراً لنجاح روسيا في الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط وعدم الوقوع في “الفخ الليبي” مجدداً على رغم الإغراءات الأميركية من مثل التسليم بالنفوذ الروسي في سوريا، والإبقاء على قاعدتها البحرية في طرطوس وعلى علاقتها الوثيقة مع الجيش السوري.