نبيه البرجي-الديار
في فيينا، وحيث تعقد مفاوضات القرن (بالنظر لتداعياتها الاقليمية والدولية)، كما لو أننا أمام احدى المسرحيات الكلاسيكية في القرن السابع عشر. في اللحظات ما قبل الأخيرة، يفترض أن تبلغ الأحداث الذروة الدرامية ليبدأ الطريق الى النهاية.
اثر سلسلة من التصريحات السنفونية، في مدينة السنفونيات الكبرى، حول الاقتراب من الدخان الأبيض، لاحظنا كيف أن تصريحات الأيام الأخيرة بدأت تأخذ منحى آخر.
اذا اعتبرنا أن كلام أنتوني بلينكن حول ملامسة الايرانيين للقنبلة كلام تكتيكي، ما هي خلفيات كلام رفاييل غورسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حول العثور على جزيئيات من اليورانيوم في أمكنة مختلفة غير معلن عنها، تزامناً مع تصعيد الرشقات الصاروخية على قواعد أميركية في العراق.
هل هناك تناغم ما بين جهات في واشنطن وأخرى في طهران تتعمد ارجاء الاعلان عن الحل الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية في 18 حزيران الجاري ؟ في أوروبا يستبعدون أن يتخلى الايرانيون عن النهج البراغماتي، باتجاه النهج الايديولوجي، بعدما لوحظ أن ادارة جو بايدن أعطت الأولوية (الأولوية المطلقة) للديبلوماسية .
هذا ما ظهر من خلال الانسحاب من أفغانستان، وخفض القوات في الخليج، اضافة الى الضغوط اللامرئية التي أدت الى لجم بنيامين نتنياهو، والى حد اقصائه عن السلطة.
هذا تداخل مع حملة مبرمجة، ولعلها حملة ثأرية، من الصقور في ايران على الحكومة الحالية، بتحميلها مسؤولية الأزمة الاقتصادية، والاجتماعية، الخانقة، كذلك مسؤولية التعثر الجيوسياسي، كما لو أن السياسات كانت تصاغ بمنأى عن آراء مرشد الجمهورية آية الله خامنئي الذي يعلو موقفه سائر المواقف الأخرى.
سياسات الثنائي (روحاني ـ ظريف) أحدثت نوعاً من الزلزال داخل الاستبلشمانت حين أبرمت سلسلة من الاتفاقات مع الصين تناهزالـ 400 مليار دولار، وهو ما حمل البنتاغون على التدخل لدى البيت الأبيض للحد من الضغط على ايران، ما قد يقودها الى بناء «علاقات عضوية» مع التنين، بحسب ما كتبت «وول ستريت جورنال» .
الثنائي اياه لاعب دونالد ترامب، وببراعة منقطعة النظير، على حافة الهاوية، دون اغفال دور الحرس الثوري في بناء السياسات الخارجية سواء على المستوى التكتيكي أو على المستوى الاستراتيجي.
الرئيس الأميركي السابق، وبالتواطؤ مع رئيس الحكومة الاسرائيلية، كان يخطط لاستدراج آيات الله الى الصدام العسكري المباشر كمدخل الى تسويق «صفقة القرن». هذا تأثراً بفلسفة هنري كيسنجر الذي كان يدمج، بدهاء، بين مفهوم السلام ومفهوم الحرب.
حسن روحاني ومحمد جواد ظريف الذي غاب، أو تم تغييبه، عن المسرح لأسباب باتت معروفة، واجها بديناميكية مثيرة للدهشة الادارة الأكثر جنوناً في تاريخ الولايات المتحدة، وبعدما أبلغ نتياهو أكثر من عاصمة عربية بأن ساعة ايران قد دقت، موحياً بالضربة النووية التي لا تبقي ولا تذر…
لا نتصور أن سياسات الرئيس المقبل ستكون مختلفة في الجوهر . الظروف هي المختلفة ان عادت الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي، ورفعت الكثير من العقوبات (القاتلة). هناك جون بايدن في المكتب البيضاوي، كما أن آفاق التفاهم بين ضفتي الخليج تتبلور أكثر فاكثر. تالياً، ايران يمكن أن تشهد حقبة من الانتعاش الاقتصادي لا بد أن تكون له انعكاساته الاجتماعية والمعيشية.
المثير للتساؤل هو التباطؤ في المفاوضات بعدما كانت قد انطلقت بايقاع سريع. الجولة السادسة يمكن ألاّ تأتي بالنتائج المتوخاة، ربما بانتظار الانتخابات الرئاسية ليكون الاتفاق بمثابة هدية تاريخية الى العهد الجديد.
تعليقات أميركية أخيرة تشير الى أن قادة الحرس الثوري يتبنون مقولة «القنبلة النووية أولاً. بعد ذلك نفاوض»، وهذا موقف لا يمكن الا أن يقلب المشهد رآساً على عقب، ولا يعود هناك من مجال للتفاوض.
ثمة كلام ليفغيني بريماكوف . «الأميركيون لا يفاوضون الا حين يستشعرون أن الأرض لم تعد لهم …» !