لا «زعماء» لإسرائيل بعد نتنياهو: بينت – لابيد على الدرب نفسه
يتّجه «الكنيست» الإسرائيلي إلى التصديق، عصر غدٍ الأحد، على «حكومة التغيير»، لينهي، في حال نيلها الثقة بأغلبية محدودة للغاية، اثني عشر عاماً من حُكم بنيامين نتنياهو، الذي سيسعى، إنْ كان في مستطاعه، إلى عرقلة الجلسة. ولكن تبقى فرضية نيل الحكومة العتيدة، الثقة، الأكثر رجحاناً، وهو ما سيعني انتقال «بيبي»، وحزبه، والأحزاب التي تدور في فلكه، إلى صفوف المعارضة، حيث سيحاولون إسقاط الائتلاف الذي لن يُقدَّر له الصمود أربع سنوات متواصلة، كما هو متّفق عليه.
من الأسئلة التي لا إجابة قاطعة عليها، ما يتعلّق بقدرة نتنياهو والكتلة المؤيّدة له على منْع الثقة عن الحكومة الجديدة. صحيح أن الخيارات، في هذا المجال، تقلّصت، إلّا أنها لم تنتهِ. لذا، لا تزال كتابات الإعلام العبري تعبّر عن الخشية من الفُرص النظرية الحاضرة لدى نتنياهو منذ أن تبلور الائتلاف الجديد؛ ومن بينها «جنونه» في الساحة الإقليمية، واحتمال تسبُّبه بمواجهة فيها، تُدحرج إسرائيل إلى واقع طارئ يتعذّر معه منح الثقة لأيّ ائتلاف، ما يرحّل الاستحقاق طويلاً، في انتظار متغيّرات ما. إلّا أن دون فرضية المواجهة الإقليمية عراقيل لا يقدَّر لنتنياهو أن يتجاوزها، وهي فرضية سيكون تحقّقها، بالتأكيد، غير متاح في الساعات القليلة المقبلة. لكن خيارات نتنياهو، النظرية أيضاً، تبقى معقوليتها النسبية أعلى في ما يتعلّق بالداخل الإسرائيلي، ليس في اتجاه التسبُّب بمواجهة مع قطاع غزة، تحول دونها المؤسّسة الإسرائيلية، مثلها مثل المغامرات الإقليمية، بل في الداخل الإسرائيلي نفسه، ضمن لعبة سياسية لا يخلو تاريخ إسرائيل منها، وهي استمالة عدد – محدود في حالة اليوم – من أعضاء «الكنيست» للتمرُّد على أحزابهم، والامتناع عن منْح الحكومة الجديدة الثقة.
فرضية كهذه، تبقى موجودة، ويمكن لنتنياهو وفريقه أن يراهنا عليها، وإنْ باتت أيضاً معقوليّتها محدودة مع مرور الوقت. ففي عام 1990، توجّه شمعون بيريس إلى «الكنيست»، مطمَئنّاً إلى أنه شكّل ائتلافاً يمكِّنه من نيْل الثقة بعدما أسقط حكومة إسحاق شامير التي كان ممثَّلاً فيها، عبر التصويت على حجب الثقة عنها. لكن، مع وصوله، وجد واحداً من أعضاء الائتلاف الجديد مفقوداً، وهو عضو «الكنيست» عن حزب «يهدوت هتوراه»، أليعازر مزراحي، الذي استطاع آرييل شارون – وكان في حينه رمز التطرّف في «حزب الليكود» -، في اللحظات الأخيرة، إقناعه بالتراجع عن تأييد حكومة بيريس، بوصف الأخير رئيساً لحزب «العمل» وللحكومة «الحمائمية» المقبلة. شارون، الذي عيّن حراسه الشخصيين لحراسة مزراحي كي لا يتراجع عن رأيه، استطاع إسقاط الائتلاف قبل نيْله الثقة بفترة وجيزة جداً، لم تكن كافية حتى لتحذير بيريس من التوجّه إلى «الكنيست» ومنْع الإحراج عن نفسه. هذا السيناريو، وإن كان مستبَعداً وفقاً للمعطيات الراهنة، إلا أنه غير منتفٍ، وهو يفسّر ما ظلّ مقرّبو نتنياهو يردّدونه حتى الأمس: «لا ينتهي شيء إلى أن ينتهي بالفعل».
من الفرضيات النظرية أيضاً، والتي لا يمكن استبعادها في دولة كإسرائيل، وقوع حدث عدائي دراماتيكي يمكن أن يقلب الطاولة على سياسيّيها: «ذئاب منفردة» أو «قطيع من الذئاب»، من المستوطنين الأكثر تطرّفاً، الذين قد يعمدون، نتيجة التحريض غير المسبوق، إلى استهداف «الخونة» من الإسرائيليين، بما يشمل أقطاباً في الحكومة الجديدة، على طريقة اغتيال رئيس الحكومة السابق، إسحاق رابين. كذلك، لا ينتفي احتمال استهداف الفلسطينيين، ضمن سيناريو مجزرة يرتكبها المستوطنون بحقّهم، بما يُركس المشهد رأساً على عقب. مع هذا، تبقى فرضيات إعاقة الثقة نظرية، وإنْ تعذّر نفيها، بل إن تحقُّق أيٍّ منها لن يكون مفاجئاً، على رغم تدنّي معقوليّتها. أمّا الأكثر ترجيحاً للساعات المقبلة، فهو أن تنال الحكومة الجديدة الثقة.
إسرائيل ما بعد نتنياهو
البحث في مرحلة ما بعد إسقاط نتنياهو لن يكون متعذّراً، وإنْ كانت التقديرات المتداولة حولها تنتظر تغييراً ما، يرى البعض إمكانيته كبيرة جداً. لكن هل ستشهد إسرائيل تغييراً بالفعل؟ ثمّة إشكاليات متشعّبة ومتداخلة في هذا السياق، وقد يصعب حسمها من الآن، لكن بالإجمال، يمكن القول إن سيناريوات ما بعد نتنياهو لن تختلف كثيراً عمّا سبقه:
– تدخل إسرائيل مرحلة جديدة بعدما ظلّ الحكم فيها طويلاً محصوراً بيد شخص واحد، هو بنيامين نتنياهو. وتبدُّل رئيس الوزراء هو أهمّ ما في هذه المرحلة. وبطبيعة الحال، لا يعني سقوط نتنياهو سقوط اليمين الإسرائيلي، بل اتجاه إسرائيل أكثر إلى مزيد من التطرّف اليميني. وهذه حقيقة يجب استحضارها دائماً.
– التطرّف المعروف عن رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد، نفتالي بينت، لا يعني أنه قادر على ترجمته أفعالاً على الأرض؛ إذ ستكون المؤسّسة الإسرائيلية معنيّة بالتدخّل لضبط إيقاع توجّهاته، ومنْع انزلاقها إلى ما يضرّ بأمن إسرائيل، وهو ما تلمّسه جيّداً خلال تولّيه وزارة الأمن، في واحدة من حكومات نتنياهو السابقة.
– بمعايير السياسة الداخلية الإسرائيلية، قد يكون إسقاط نتنياهو حدثاً تأسيسياً، يرتبط بخريطة التحالفات السياسية للأحزاب على اختلاف ميولها وتوصيفاتها، وربّما يؤدّي لاحقاً إلى تفكُّك كيانات سياسية وولادة أخرى، تدخل المشهد بشخصيات صفّ ثانٍ، لم تتعوّد إسرائيل على تواضع قدراتها وضآلة حضورها السياسي، في الداخل والخارج على السواء. وهذه واحدة من أهمّ ما تسبّب به نتنياهو لمَن سيليه في المنصب، مهما كانت هويّته.
– لا يُتوقّع في تموضعالأخبار- يحيى دبوق مقابل التهديدات الأمنية، الداخلية والخارجية، تغيير يُذكر. إذ سيبقى توصيف التهديدات على حاله، وكذلك خيارات إسرائيل في مواجهتها، وإنْ حصل تغيير ما فسيكون مرتبطاً بالخطاب السياسي لوجوه الحكومة الجديدة ورئيسها تحديداً، بما يتوافق مع ما يُعلم عنه من تطرّف. والأقوال هنا لا تنسحب بالضرورة على الأفعال.
– تبقى الإشارة إلى نقطة أساسية في تقدير ما سيلي في إسرائيل، وهي عقدة إثبات اليمينية بعد حملة «التشهير» التي طاولت أقطاب الحكومة الجديدة، وتحديداً رئيسها، وإلباسه «عار اليسار». على أنه من المبكر تقدير ما ستتسبّب به هذه العقدة، وأيّ ساحة من ساحات المواجهة ستكون محلّاً للتعبير عنها بهدف إثبات نقيضها. وإنْ كانت ساحات التهديد كلّها، خاصة بعد المواجهة الأخيرة مع غزة – أقلّها سوءاً -، سيئة جداً.
ما دون المغامرات والتهوّر الأمني والعسكري، سيعمل حكّام إسرائيل الجُدُد على التعبير عن يمينيّتهم لإرضاء جمهورهم عبر الساحة الفلسطينية، وهي الساحة الأقلّ ثمناً قياساً بساحات تهديد أخرى. ويشمل ذلك قضايا الاستيطان والقدس وغزة وفلسطينيي عام 1948… وإن كانت الحاكمية، بمعنى إمكانية فرملة القرارات والأفعال التي تؤدّي إلى إيذاء اسرائيل، ممسوكة نسبياً من قِبَل المؤسسة الإسرائيلية. في الساحات الأخرى، الأكثر خطورة، ستكون قرارات رئيس الحكومة الجديد وأقطاب حكومته مدروسة جيداً وبعيدة عن التطرّف، إذ إن اليمينية تتراجع أمام التهديدات الكبيرة وقدرة الآخرين على الإيذاء والردّ المؤلم، كما هو الحال في الساحة اللبنانية. وبدلاً من التطرّف، في حالة لبنان، تحلّ الحكمة الإسرائيلية التي تدفع العدو إلى الانكفاء والامتناع عن إثارة التهديدات الكامنة فيه. هذا ما فعلته إسرائيل نتنياهو، وهذا ما يُرجّح أن تفعله أيضاً
الأخبار- يحيى دبوق .