الأخبار- حسين إبراهيم
مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية المبكرة، المُقرَّرة في تشرين الأول من العام الجاري، تتسارع استعدادات القوى والشخصيات السياسية لترتيب أمورها قبل خوض السباق. وليس رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، الطامح إلى ولاية ثانية، استثناءً من ذلك؛ إذ يسعى إلى المشاركة بطريقة غير مباشرة، مستنداً إلى برنامج يبدو أن من ضمن أولوياته السعي إلى قلب موازين القوى في البلاد، وترجيح كفّة الأطراف الميّالين إلى الجانب الأميركي، الذي يظهر واضحاً أنه يضع رهاناً كبيراً على هذه الانتخابات. لكن دون هذا الطموح عقبات كبيرة، ليس ما تلى اعتقال قاسم مصلح إلّا نموذج بسيط منها
لكن الطريق ليست مُعبّدة أمام الأميركيين لتحقيق مثل هذا الهدف؛ فالصراع المحتدم بين القوى العراقية هو صراع على السلطة، لا على الموقف من الاحتلال. فعلى سبيل المثال، إذا دعم مقتدى الصدر حكومة مصطفى الكاظمي لأسباب داخلية، وحتى إذا اختَبر خيارات إقليمية مختلفة، فهل من الوارد أن يكون في صفّ واحد مع الاحتلال، بعدما أقام كلّ تاريخه السياسي على العداء له؟ وهذا ينطبق على الكثير من القوى السياسية “السنّية” و”الشيعية”. أمّا “الأكراد” فأمرهم مختلف، ولكنهم لم يقدروا على إنفاذ ما أرادوه بالنسبة إلى “كردستان”، فكيف بالعراق؟ ثمّ على افتراض أن الحكومة المقبلة ستكون ميّالة إلى الأميركيين، كما هي حال حكومة الكاظمي، فهل تستطيع تحمّل كلفة نقل العراق من موقع إلى آخر، إذا كان التوتر الكبير الذي حصل في قضية اعتقال القيادي في “الحشد الشعبي”، قاسم مصلح، نموذجاً مصغّراً لما يمكن أن يحصل في تلك الحال؟
يسعى فريق الكاظمي، بالتحديد، إلى تقديم الانتخابات على أنها استفتاء ضدّ “الحشد”، قافزاً فوق حقيقة أن الأخير بات من أهمّ القوى في البلاد سياسياً وعسكرياً، إذ يُمثّل عبر جناحه السياسي، “تحالف الفتح”، واحدة من أكبر الكتل في مجلس النواب (48 مقعداً من أصل 329)، فضلاً عن دوره العسكري الكبير في تحرير العراق من “داعش”. ومع بدء ظهور معالم التحالفات الانتخابية، يتّضح أن الأداة الرئيسة في يد فريق الكاظمي ستكون استدعاء ما أمكن من التدخل الخارجي عبر المراقبة الدولية للعملية، ليس لضمان نزاهتها، بل لاستنهاض أنصاره وتزخيم تحرّكهم. ويقول مستشار الكاظمي لشؤون الانتخابات، عبد الحسين الهنداوي، لـ”الأخبار”، إن “الحكومة العراقية هي التي طلبت من الأمم المتحدة إرسال مراقبين دوليين، وهو طلب رحّبت به المرجعيات الدينية والقوى السياسية، من أجل إعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة التي أفقدته إياها المفوضية والحكومة السابقتان. والحكومة حريصة بلا ريب على حماية السيادة العراقية، ولا تحتاج الى دروس من أحد في هذا الشأن. والمراقبة الدولية لا تعني الإشراف بتاتاً”.
وعن أصل إجراء الانتخابات في ظلّ ما يُحكى عن احتمال التأجيل بسبب الأجواء المتوتّرة التي تعيشها البلاد، يقول الهنداوي إن “كلّ المعطيات الملموسة تشير إلى أن الانتخابات المبكرة ستُجرى فعلاً في موعدها المعلن”، مضيفاً أن “التأجيل والمقاطعة وسواهما من الاحتمالات غير واردة موضوعياً، وهي مجرّد تعبيرات عن تكهّنات وتصوّرات، وقد تدخل في إطار الحملة الانتخابية الاستباقية لهذا أو ذاك من الجهات أو الأجندات أحياناً”. بالنسبة إلى المسؤول العراقي، “التأزّم السياسي هو الذي فرض إجراء انتخابات مبكرة، كما فرض إسقاط الحكومة السابقة، وتغيير مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات، وطرَح الحاجة إلى المراقبة الدولية”. وهو يعتبر أن “المواطنين العراقيين، ولا سيما المتظاهرين، هم مَن راهن ويُراهن على الانتخابات كوسيلة وحيدة لإصلاح النظام السياسي ورفض نظام المحاصصة الحزبية المقيت وإعلاء مبدأ التداول السلمي والديمقراطي للسلطة”. هذا الكلام صحيح نظرياً، إلّا أن ما حصل في العراق خلال كلّ العمليات الانتخابية، كان تداولاً سلمياً للسلطة، ومن ضمنه وصول الكاظمي نفسه إلى موقع رئاسة الوزراء. يضاف إلى ما تقّدم أن جذر الأزمة ليس مرتبطاً بنتيجة الانتخابات السابقة أو التي قبلها (على رغم المسؤولية التي تتحمّلها القوى الحاكمة)، بل يكمن في ما فعله النظام السابق ومِن بعده الاحتلال من تهديم لبنى الدولة.
أمّا في ما يتعلّق بالعقبات الإجرائية أمام عقد انتخابات حرّة ونزيهة، فمن الممكن في نظر الهنداوي “تذليلها من خلال تعميم استخدام النظام البيومتري وتفعيل مراقبة الانتخابات، بما فيها المراقبة الدولية، وتطبيق القانون الانتخابي بشكل صارم وقانون الأحزاب، وخاصة المواد المتعلقة بحظر امتلاك واستعمال الأسلحة والمتفجرات، ومعاقبة الجرائم الانتخابية بشدة، وتعبئة عموم الناخبين للمشاركة في الانتخابات”. لكن، ماذا لو أعادت الانتخابات القوى نفسها المُمثَّلة في السلطة حالياً؟ يجيب الهنداوي بأنه “إذا كانت تلك القوى ستعود عبر انتخابات سليمة فهذا حق. وما علينا سوى دعم مفوضية الانتخابات للنجاح في عملها”. ولكنه يراهن على ما يعتبره “تغيُّر المجتمع العراقي وتطلّعاته وإصراره على نيل حياة لائقة به فشلت القوى التقليدية في تحقيقها له، وهو ما عَبّر عنه الحراك الشعبي بقوة”.
وتسارعت الاستعدادات للانتخابات، خصوصاً في اتّجاهات ثلاثة: خيارات الكاظمي، ولقاءات “الحشد” مع القوى المختلفة، وتوجّهات الصدر. ثمّة تيّاران قريبان من الكاظمي قد يخوض عبرهما أو عبر أحدهما الانتخابات، وهما “تيّار المرحلة” و”تيّار ازدهار”. وتشير تقارير إلى إمكان عقد تحالف انتخابي بين الكاظمي وحيدر العبادي (رئيس الحكومة الأسبق) والنائب عدنان الزرفي، من دون أن يشارك رئيس الوزراء بشكل مباشر في الانتخابات. كما أن ثمّة محاولات موازية للوصول إلى تفاهمات مع “التيار الصدري” للتحالف بعد الانتخابات. ووفق هذا السيناريو، يتحالف الائتلاف الجديد مع “تيّار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، ورئيس مجلس النواب زعيم حزب “تقدم” محمد الحلبوسي، و”الحزب الديموقراطي الكردستاني”، لتشكيل أغلبية برلمانية.
في ما يتعلّق بالأحزاب “السنّية”، جرى الإعلان عن تشكيل تحالف “العزم” برئاسة زعيم حزب “المشروع العربي”، خميس الخنجر، وعضوية سياسيين بارزين مِن مِثل جمال الكربولي، ومحمد الكربولي، وسليم الجبوري. ويَطرح هذا التحالف الجديد نفسه كمنافس للحلبوسي، غير أنه تلقّى ضربة بقيام “لجنة مكافحة الفساد والجرائم الكبرى”، التي ألّفها الكاظمي، باعتقال جمال الكربولي، على خلفية اتهامات فساد في وزارة الصناعة. كما أنه يُتوقّع أن ينجح بعض الأطراف “الشيعة”، وخاصة أولئك المقرّبون من “الحشد”، في انتزاع بعض المقاعد “السنّية” عبر تحالفاتهم مع زعامات “سنّية” محلية. كذلك، ثمّة محادثات للتحالف بعد الانتخابات بين “الحشد” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”. وفي ما يخصّ المتظاهرين، شهدت محافظة بابل اجتماعاً لأبرز القوى المنبثقة عنهم، ضمّ “حركة امتداد” و”البيت الوطني” و”الاتحاد العراقي للحقوق والعمل” و”حركة نازل آخذ حقي” و”التيار الاجتماعي الديموقراطي” و”جبهة تشرين”، وطالب بانتخابات عادلة ونزيهة، وبمحاسبة قتلة الناشطين.
في النتيجة، إذا كان من ثابتة أفرزتها الانتخابات العراقية مرّة بعد أخرى، فهي رفض الاحتلال. والانتخابات المقبلة لن تكون استثناءً، فهل يمكن لنائب منتخَب من شعب قاتل الاحتلال، القول إنه مع بقائه؟