يدرك سعد الحريري ان مرحلة ما بعد التسوية الرئاسية عام ٢٠١٦ ليس كما قبلها ، فهو يعي جيدا ان زعامته السياسية والسنية في لبنان اهتزت وترنحت مع بدء الحرب على سوريا ، وما نتج عنها من ظهور قوي وفاعل للحركات الجهادية السنية التي وصل التفاعل معها الى عمق بيئة زعامته ..
كل ذلك ادى به بعد غياب لسنوات عن لبنان لعقد التسوية الرئاسية مع عون، اولا لكي يعود الى رئاسة الحكومة وثانياً لوقف الخرق بساحته وبيئته الناتج عن الحرب السورية وحروب اخرى بالمنطقة أخذت بشكل او باخر صراع سني شيعي جعل جزء كبير من السنة يبتعدون عن زعامة الحريري لصالح ما سمي بالحركات والتيارات الجهادية ..
لم تفلح التسوية بعودة شعبية الحريري كما كانت قبل الحرب السورية ، ربما أوقفت النزيف لا اكثر ، ونتائج انتخابات ٢٠١٨ كانت خير دليل على ذلك ، لكن الحريري عاد واستمر بهذه التسوية كخيار وحيد لا ثاني له خصوصا بعد واقعة احتجازه بالسعودية عام ٢٠١٧ وشعوره بانه فقد الحصانة العربية والدولية لوجوده السياسي ، مما جعله يختار مرغماً الحصانة الداخلية بتثبيت التسوية مع عون وربط النزاع مع ح ز ب الله..
بعد سقوط التسوية عام ٢٠١٩ دخل الحريري بمرحلة سياسية جديدة تهدد وجوده السياسي وارث عائلته بالزعامة السنية الاولى في لبنان ، اختار ان يكون معارضاً للعهد من اجل استعادة شعبيته ، لكن الانهيار المالي والاقتصادي المتسارع في لبنان كان اكبر من قدرة الحريري على وقف خسارة شارعه وليس استعادته ..
عاد من جديد لخيار رئاسة الحكومة لكن مع رفض اَي شكل من اشكال التسوية مع عون ، طرح حكومة اختصاصيين من ١٨ وزير ورفض الثلث الضامن لرئيس الجمهورية ثم وافق على حكومة ٢٤ شرط ان يسمي وزيرين مسيحيين خارج ٨ وزراء من حصة الرئيس ، هذه الشروط التي يتمسك بها الحريري منذ ٨ اشهر لم تأتي من خلال قناعة لديه او من اجل اخضاع العهد وتدفيع باسيل ثمن انهيار التسوية ..
بل هي ذرائع فاعلة وضعها من اجل كسب الوقت لاستعادة علاقاته الدولية والعربية خصوصا مع السعودية ،وبعد فشل كل المحاولات أمامه باستعادة هذه العلاقات حالياً ، لم يعد أمامه سوى خيارين اما التنازل عن بعض شروطه والسير بحكومة تقوم بإدارة الانهيار ولا قدرة لها على جلب اَي مساعدة خارجية بسبب الفيتو السعودي على الحريري وكل ما له صلة به، وبالتالي يخسر المزيد من شعبيته لانه يقود حكومة يتصاعد بعهدها الانهيار !!
واما ان يذهب الى الاعتذار عن التكليف ، ،،
لكن هل يقف هذا الاعتذار عند تداعيات تأليف الحكومة ، ام له تداعيات اكبر واقوى تدور في ذهن الحريري ومستشاريه؟ وهي ان الاعتذار قد يكون مقدمة لجهات محلية وخارجية لإخراج الحريري من المعادلة السياسية حالياً تمهيدا لإنهاء زعامته عبر الانتخابات النيابية القادمة وجعل وجوده السياسي ثانوي لا اساسي بمعادلة ما بعد الانتخابات ..
فهل يختار سعد احد الخيارين خصوصا وان الوقت لم يعد بصالحه ، ام لديه خيار ثالث يقيه تداعيات الخيارين المتاحين أمامه اليوم ، بكل الأحوال لا يحسد رئيس المستقبل على وضعه ، لان كل الخيارات لديه أحلاها مر …
عباس المعلم / كاتب سياسي