نبيه البرجي-الديار
قبل رحيله عام 2016، قال آلفن توفلر ان أميركا على بعد خطوات من الانتقال من الزمن الى ما بعد الزمن، ومن المكان الى ما بعد المكان. قريباً مطاعم ماكدونالدز، ومقاهي ستارباكس، وحتى ليالي الروك اند رول، على أرصفة المريخ.
للتو سأل جان دانيال الباحث المستقبلي الأميركي الشهير ما اذا كان يريد القول ان بلاده على قاب قوسين من الدخول في حقبة ما بعد الانسان. ربما … ما بعد الله!
واقعاً، باتت البشرية تتعامل مع الولايات المتحدة على أنها الاله الآخر. حين وقفنا مكتوفي الأيدي أمام الكورونا، وأساقفة الغيب عندنا يبشروننا باقتراب يوم القيامة، كانت أنظارنا موزعة بين ما تقوله المقابر وما تقوله المختبرات. الخلاص أتى، في البدء، من أميركا. اذا كانت هي الشيطان، كما تقول بعض أدبياتنا، لماذا ننتظر أن يأتينا الخلاص من الشيطان ؟
ما البديل ؟ حتى عندما كانت الحرب الباردة في ذروتها، شنت بريطانيا، وفرنسا و»اسرائيل» الحرب ضد جمال عبد الناصر. لم تكن انذارات نيكولاي بولغانين، وقد وصفها نيكيتا خروتشوف، في مذكراته بالفولكلورية، هي التي أرغمت أنطوني ايدن، وغي موليه، وموشي دايان على الانسحاب، بل كانت أصابع دوايت ايزنهاور الذي خطط للحلول محل الأمبراطوريات الغاربة.
وحين كان الاتحاد السوفياتي القطب الآخر في ادارة الكوكب، دمرت «لطائرات الاسرائيلية» في حزيران 1967 القواعد الجوية المصرية في أقل من ساعة. سقطت سيناء، وسقط الجولان، وسقطت الضفة الغربية، في يد موشي دايان، بينما كان عبدالحكيم عامر، بشخصيته الهشة، ثملاً بين أحضان برلنتي عبد الحميد.
ما كان موقف الكرملين آنذاك ؟ ليونيد بريجنيف بعث برسالة رفع عتب الى الزعيم المصري كما لو أنه يكفكف دموعه بمنديل خشبي.
الموقف السوفياتي بدا مخجلاً في تلك الأيام المريعة. طائرات الـ»ميغ» بدت كما الطنابر في مواجهة الـ»ميراج» التي رأى فيها «الحاخامات» الطيور النحاسية التي تحمل البشرى التوراتية بالعودة الى أرض الميعاد.
بحثنا في الميتولوجيات القديمة. لم نجد بين آلهة السومريين، وآلهة الاغريق، وآلهة الرومان، الهاً بمثل تلك الغطرسة، وبمثل تلك الضراوة، لكأن الاله الأميركي يهوه الآخر الذي كان، من داخل كهفه، يرشق السابلة بالحجارة. هنا الصواريخ، والقنابل (بما فيها القنابل النووية) لا الحجارة.
أجل، ما البديل ؟ فلاديمير بوتين قال، بالفم الملآن «لسنا البديل عن أميركا في الشرق الأوسط». الولايات المتحدة أمبراطورية كونية، وفرضت ثقافتها، وأسلوب حياتها، ومنتجاتها وتقنياتها، على كل مجتمعات الدنيا، وهي الطارئة على التاريخ، وعلى العالم.
الصين، بالثقافة المقفلة، وبالديبلوماسية المقفلة، وحتى باللغة المقفلة، لا يمكن أن تكون البديل. بدل الدخول بالقوة الى المسرح، الدخول من الأبواب الخلفية. دولة «سوبر»رأسمالية، وان تأرجحت، ايديولوجياً، بين تعاليم كونفوشيوس وتعاليم ماو تسي تونغ.
هل نتصور، اذا ما شرعنا أبوابنا أمام التنين، أنه سيقف، ميدانياً، الى جانبنا، في قضايانا الكبرى، تراجيدياتنا الكبرى. انه صراع الأمبراطوريات، وصراع الأسواق، فوق جثثنا، نحن الوالغون في صراع القبائل، وفي صراع الطوائف، وفي صراع الأزقة.
هذه حالنا حتى في زمن جو بايدن. لسنا موجودين على الخريطة الا كدول عرجاء يقتلها الفساد، ويقتلها الغيب، ويقتلها التعفن، وتقتلها البداوة. الفارق بين ترامب الذي ذهب وبايدن الذي أتى، أن الأول يتعامل معنا كموتى،والثاني يتعامل معنا كانصاف موتى. لا افق، ولا مستقبل، للعرب الذين لم يحاولوا أن يقتدوا أو أن يقلدوا النموذج الياباني، أو النموذج الكوري، أو حتى … «النموذج الاسرائيلي» !
لا شيء من هذا. الاله الأميركي يسوقنا بالعصا. الى أين ؟ البعض يعدنا بالزلزال، والبعض يعدنا بالقيامة. مثلما الزمن أقفل أبوابه في وجوهنا، الله اقفل أبوابه في وجوهنا. أحسن صنعاً…