ستة اشهر انقضت من مهلة العام التي حددها مجلس النواب لقانون رفع السرية المصرفية تسهيلاً لعملية التدقيق الجنائي في عمل مصرف لبنان والمؤسسات التابعة له ولم يوضع على السكة بعد، والمفاوضات التي يخوضها وزير المالية غازي وزني، مفوضاً من الحكومة، مع شركة “ألفاريز أند مارسال” لم تنته لرغبة الشركة في فرض شروط اضافية لاستئناف عملها من بينها زيادة بدل الاتعاب، فضلاً عن تقاضي قيمة البند الجزائي جراء ما اعتبرته اخلالاً من الدولة اللبنانية ببنود العقد السابق لعدم تقديم المعلومات التي طلبتها، ما اضطرها الى الاعتذار عن الاستمرار في مهامها!
مع تفاقم الازمة المالية والاقتصادية، تتقدم ملفات على غيرها بينما تغيب ملفات اخرى على قدر من الاهمية عن دائرة الضوء فتصبح في حكم المجهول. واقع يتطابق والمفاوضات الجارية مع شركة “ألفاريز أند مارسال” التي سبق واعتذرت عن مواصلة عملها قبل اشهر، لامتناع المصرف المركزي عن تسليم المعلومات التي طلبتها، بذريعة التزامه قانون السرية المصرفية. ولكن بعد اقرار مجلس النواب قانوناً حمل رقم 200 لرفع السرية المصرفية اعادت الدولة التفاوض مع الشركة عينها لكن التوقيع لم يحصل بعد، ودونه شروط جديدة تفرضها الشركة على الدولة التي تبدو من تعاطي وزير ماليتها وكأنها لا تستعجل البت بالاتفاق مع هذه الشركة او غيرها في محاولة لكسب الوقت والتمييع. فهل الشركة توارب بقصد الرفض ام ان وزارة المال ليست على عجلة من امرها، لا سيما بعد ان تبين ان العقد الموقع سابقاً مع الشركة يستثني التدقيق في مرافق حيوية لمصرف لبنان وتغذي الخزينة، نقطة ثانية مدعاة للتشكيك سبقها اعطاء مجلس النواب عاماً واحداً كمهلة لرفع السرية المصرفية، وهي فترة قصيرة ليست كافية للعمل المطلوب.
وفي جديد المعلومات حول المفاوضات الجارية مع “ألفاريز أند مارسال” فان الشركة تطلب مبلغ 400 الف دولار اضافياً عن المبلغ المتفق عليه سابقاً، وتطالب الدولة اللبنانية بدفع البند الجزائي الوارد في العقد السابق وقدره 150 الف دولار، للتخلف عن تزويدها بالمعلومات التي طلبتها. وبينما يتجه وزير المال لدفع البند الجزائي والذي لا يراه وزراء في الحكومة محقاً، فهو يرفض زيادة بدل اتعاب الشركة بدفع المبلغ الذي تطلبه. خصوصاً وان عملها قد انحسر الى الحسابات المتعلقة بعمل مصرف لبنان دون مؤسساته وهو المستجد الذي لم يكن قد كشف عنه في السابق.
واستغرب مصدر وزاري كيف أن التدقيق الجنائي لن يشمل المؤسسات التابعة لمصرف لبنان اي الميدل ايست وبنك انترا وكازينو لبنان، والتي لا يمكن استثناؤها من عملية التدقيق الجنائي بأي شكل من الاشكال واقتصار العمل على حسابات مصرف لبنان فقط، بما يفرغ العملية من غايتها الاساسية بكشف مكامن الهدر في المؤسسات الأساسية للدولة. ويستغرب المصدر مطالبة الشركة بدفع البند الجزائي والدولة اعادت التفاوض للعمل معها مجدداً، بما لا يفترض توقيع اتفاقية جديدة ولا بدل اتعاب او بند جزائي وتكبيد الدولة مصاريف تفوق قدرتها على التحمل.
وقد شكل حصر التدقيق بحسابات مصرف لبنان مفاجأة لبعض الوزراء، بعدما تبين ان العقد القديم الذي لم يسبق وان اطلع عليه الوزراء لم يلحظ التدقيق في مؤسسات مصرف لبنان، بل في حساباته ما يعني افراغ عملية التدقيق من جدواها والتهرب من المحاسبة والمكاشفة، ومعرفة مصادر الهدر الاساسية في الدولة، وتبدي المصادر استغرابها لطلب الشركة زيادة مخصصاتها فيما عملها محصور بمصرف لبنان، اي بأقل مما يجب ان يكون وعدم احقيتها في المطالبة بالبند الجزائي، خصوصاً وان الاتفاق قد تم مع الشركة ذاتها ما ينفي الحاجة من الاساس الى توقيع عقد جديد، لأن الاتفاق القديم لا يزال ساري المفعول ويمكن للشركة ان تستأنف عملها من حيث توقف. وتبدي المصادر خشيتها من ان يدفع لبنان مبالغ طائلة للشركة المذكورة، بدل القيام بعمل محصور ويستثني مكامن الهدر الرئيسية في الدولة والتي تحوم حولها شبهات، هذا في حال انتهت المفاوضات الى الاتفاق، فيما يبدو التهرب من عملية التدقيق الجنائي واضحاً لعدم رغبة البعض بالسير بها قدماً.