نبيه البرجي-الديار
قراءة لما وراء النصوص الملتبسة، النصوص الملتوية، لدستور الطائف. هنا ليس المدخل الى الجمهورية الثانية. المدخل الى الدولة الثانية التي تثأر من الدولة الأولى التي أعلنها الجنرال هنري غورو، عام 1920، والتي قامت من أجل المسيحيين لا من أجل أي طائفة أخرى …
دولة ثانية بطربوش فارغ، بالرغم من المصطلحات (لا الصلاحيات) التي لحظت في المادة 49 «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز الوحدة الوطنية، يسهر على احترام الدستور، واحترام استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور».
الجزء الجوهري من الصلاحيات أنيطت بمجلس الوزراء الذي رئيسه، جدلياً، وواقعياً، رئيس … رئيس الجمهورية !
ثلة من الفقهاء الدستوريين غاصوا في مناقشة الصلاحيات، وراحوا ينفخون فيها، ليبدو الرجل وكأنه الحاكم بأمر الله، وعلى أنه «المايسترو» الذي يعلو فوق كل الطوائف، وفوق كل القبائل، وفوق كل الصراعات، كما لو أنه يهبط من المريخ، لا نتاج تسويات وسيناريوات تجعل منه رهينة ضائعة بين أيدي ملوك الطوائف، وأيدي ملوك القبائل، في الداخل كما في الخارج.
هل هناك ما هو أكثر دلالة على الصلاحيات الفولكلورية مما يحدث الآن، وأمام الملأ ؟ رئيس مكلف، وليس رئيساً أصيلاً للحكومة، يجرجر رئيس الجمهورية الذي لا يستطيع أن يفعل أي شيء سوى أن يقف شاكياً على باب ساحة النجمة. أي منطق دستوري في هذه الحال؟
تذكرون ما فعله الرئيس فؤاد السنيورة بالرئيس اميل لحود. المشهد هنا لا يقل فظاعة (وفظاظة) عن ذلك المشهد.
كلام رائع في ذلك الرئيس الذي يسمو فوق الصغائر، وما أكثرها في بلادنا، لكن الرجل ينتخب في اطار ما يدعى بالتوازن في الصلاحيات، أي أنه واحد من ترويكا السلطة والشريك في السراء والضراء. وما أدراك ما السراء والضراء ! المحاصصة في كل محتويات المغارة، الا اذا كان صحيحاً قول البعض ان وثيقة الطائف وضعت حداً لدولة المسيحيين وأنشأت مكانها دولة المسلمين …
لسنا في دولة مدنية، نحن في دولة مركبة طائفياً، وفي منطقة تحكمها ثقافة القبور لا ثقافة الأفق. مجتمع أو مجتمعات لم تتوقف، يوماً، عن صراع الجاهليات. لا داعي للأمثلة على البرمجة الغرائزية للطوائف، والتي بلغت ذروتها ابان الحرب الأهلية، وما تخللها من حروب. وها هي تعود ثانية كما التسونامي الذي قد لا ينتهي الا بتدمير الهيكل على من فيه ..
هذا لنتساءل ما اذا كانت دقيقة المعلومات التي تقول بوجود كرادلة في الفاتيكان يعتبرون أن المسيحيين بين خيارين، اما الكانتونات أو الهجرة الى البلدان الغربية بعدما باتوا في مهب الريح، ان لم يكونوا في مهب الدم، بين الحصان السني والحصان الشيعي.
هؤلاء الكرادلة يبدون خشيتهم من أن يكون مآل مسيحيي لبنان على شاكلة مآل المسيحيين في سوريا (وقد لاقوا الأمرين على يد الفصائل الاسلامية)، أو على شاكلة مآل المسيحيين في العراق، ناهيك بمسيحيي فلسطين الذين اضطروا لترك المسيح وحيدا على الخشبة.
اقتراحهم أن على الدول الغربية الاستعداد لتوطين المسيحيين اللبنانيين اذا ما حالت الظروف دون اقامة الكانتون، أو الكانتونات، في اطار كونفديرالية فضفاضة وتحت الوصاية الدولية.
اسقف كاثوليكي قال لنا أن أمام الكرادلة تقريراً يظهر بالأرقام ما ينتظر مسيحيي لبنان. بعد عشر سنوات من الآن (ومع اعتبار أن ماكنة التكاثر لدى النازحين السوريين سترفع عددهم الى أكثر من نصف عدد اللبنانيين )، سيكون نحو 80 % من النخب المسيحية خارج لبنان، ليغدو الكانتون، في حال قيامه، مأوى للعجزة، أو متحفاً للقطع الأثرية، بعدما أثرى المسيحيون لبنان بديناميكية التفاعل مع الحداثة .
ما بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري، والاثنان يقودان مسار سقوط ما تبقى من الجمهورية، يعكس أزمة دولة لا أزمة حكومة. لا تتركوا الشيطان يحكم بين الاثنين. قهقهاته وراء الباب.
في الفاتيكان، وكما قال لنا الأسقف اياه، تشكيك بصدقية القادة المسيحيين وقدرتهم على صناعة الخلاص. لا بديل …