لن نبقى الأواني الفارغة

نبيه البرجي-الديار

زميل عربي في موسكو قال لي «أنت وصفت رجب طيب اردوغان بـ»الثعبان».

الأوساط السياسية والديبلوماسية والاعلامية هنا تصفه بـ»الثعبان العثماني».

هذه الأوساط تتحدث عن «سلطان للايجار». بكل ذلك العمى الاستراتيجي راهن على دونالد ترامب، وحاول كثيراً أن يلعب دور «حصان طروادة» في المنطقة العربية، من سوريا والعراق الى مصر وليبيا وتونس والسودان.

ها هو يضع ظهره الآن بتصرف جو بايدن بأن يكون السكين الأميركية في الخاصرة الروسية، من اذربيجان الى أوكرانيا، وأخيراً الى بولونيا التي عقد معها صفقة لبيعها 24 طائرة مسيّرة..

في أروقة الكرملين العيون الحمراء تلاحق الرئيس التركي . الصدام ليس مستبعداً على الأرض السورية اذا بقي يراوغ، ويستخدم تلك النيوانكشارية التي العديد من أفرادها ينتمون الى جمهوريات داخل الاتحاد الروسي.

الأوساط المذكورة تعيد الى الذاكرة سلسلة الحروب التي اندلعت بين القياصرة والسلاطين. فيها كلها كانت الغلبة للقياصرة. حتى أن الصينيين، بأعصاب التنين، غاضبون بعدما تبين لهم أن الاستخبارات التركية لا تتولى تعبئة الأيغور في اقليم سينغيانغ (تركستان الشرقية) ضد الحكومة المركزية فحسب، بل أنها تزودهم بالمال والسلاح.

كلام في موسكو من قبيل «كم هو غبي هذا الرجل حين يعتقد أنه يستطيع شراءنا، أو الهاءنا، أو خداعنا، بصفقة الاـس . اس ـ 400» بعدما رفض فلاديمير بوتين طرحه لاقامة نوع من الشراكة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، كما لو أن الأميركيين سيفتحون أمامه الأبواب، وهم الذين يبرمجون الصراعات بارساء التوازنات بين نقاط الضعف لا بين نقاط القوة في المنطقة…

استطراداً، لماذا يحكى عن «الفراغ» فقط في منطقتنا دون سائر المناطق في الكرة الأرضية؟ بدأ هذا مع جون فوستر دالاس (وزير الخارجية الأميركية بين عامي 1953 و 1959 ) الذي أطلق «مبدأ ايزنهاور» لملء الفراغ في الشرق الأوسط.

آنذاك كتب الصحافي الساخر اسكندر الرياشي «الأميركيون يريدون منا اقامة المتاريس في وجه الشيوعية بأكياس الطحين بدل أكياس الرمل» كتعليق على قيام النقطة الرابعة»الأميركية بتوزيع الطحين على اللبنانيين في اطار الاستراتيجية الخاصة باحتواء أي مد شيوعي.

الطريف أن الكثيرين منا يراهنون على حلول الصين محل الولايات المتحدة في تلك المهمة، كما لو أن الصينيين ما زالوا على خطى كونفوشيوس «دعوا قلوبكم تضيء لكم الطريق»، ولم يدخلوا في ثقافة السوق، وهم الذين كانوا في طليعة الأمم القديمة التي لامست التكنولوجيا . منهم كان الأوروبيون يستوردون الأفكار والأدوات قبل عصر النهضة وظهور المداخن . لكن المؤرخين في القارة العجوز أغفلوا, ولأسباب لا تزال غامضة، حتى مجرد الاشارة الى التواصل التكنولوجي مع الصين.

لماذا يتعامل معنا الآخرون، كل الآخرين، كوننا الأواني الفارغة ؟ رفيق شرف، الرسام البعلبكي الرائع، والذي أعاد احياء عنترة بن شداد في ذاكرتنا بديناميكية ايحائية فذة، قال «هم النحاسون ونحن الأواني المطروقة». الطناجر المطروقة. أما ترانا نشبه، بعباءاتنا، أوبربطات عنقنا، أو باقدامنا الذهبية (ناهيك عن أقدامنا الحافية) الطناجر المطروقة ؟

فيلسوف التاريخ البريطاني أرنولد توينبي اذ لاحظ مقارباتنا القبلية للغيب، سأل «هؤلاء المثقلون بالايديولوجيا، وبالتاريخ، كيف لهم أن ينهضوا على أقدامهم» ؟.

باراك أوباما (وجو بايدن ظل له) قال لنا «المشكلة فيكم»، نحن مرضى الثقافات الميتة، والمفاهيم الميتة.

ماذا ينقص العرب، بالموارد الهائلة، وبالكتلة البشرية الهائلة، وبالمواقع (الجغرافية) الهائلة، لكي يملأوا الفراغ بدلاً من الرهان حيناً على الاله الأميركي، وحيناً على الاله الصيني، وحتى على الاله اليهودي؟

لكي لا نبقى الأواني الفارغة، أو الأواني المطروقة، تصوروا قوساً جيوسترتيجياً بين مصر وسوريا والسعودية برؤية خلاقة لديناميات القرن. ألا يتغير شكل الشرق الأوسط ؟ ولو مرة واحدة نكسر أنف المستحيل…

Exit mobile version