السعودية والإمارات وقطر: التورّط والتراجع والعقد
ناصر قنديل-البناء
– قبل انطلاق قطار التخريب الأميركي للمنطقة مع الربيع العربي، وتكليف دول الخليج بتمويله ورعايته إعلامياً ومخابراتياً، كانت دول السعودية والإمارات وقطر تقف في موقع متحفظ تجاه تبني أي خطوات تصادمية مع قوى المقاومة، رغم بدء ظهور معالم واضحة للتباعد والخصومة منذ حرب تموز 2006 التي لعب فيها الثنائي السعودي الإماراتي دوراً تحريضياً على المقاومة، بينما تميّزت بقطر بتبني موقف عبرت عنه قناة الجزيرة بالوقوف مع المقاومة، لدرجة رفع شعار «شكراً قطر» في التعبير عن تقدير هذا الموقف. وجاءت الحرب على سورية لتظهر دوراً مرجعياً لقطر في البدايات بقيادة الربيع العربي من تونس وليبيا إلى مصر وصولاً الى سورية، مع صعود دور الأخوان المسلمين في المشروع الأميركي والمكانة التي تستعد لها تركيا تحت شعار العثمانية الجديدة من جهة ثانية.
– في الحرب على سورية تورط الجميع، وتوزّعت رعاية التجمعات السورية المطلوب إشراكها في الحرب على بلدها، بين عواصم هذه الدول، كما توزّعت مقارها ومواقع إعلامها، وإقامة قادتها، وظهرت فضائيات جديدة مموّلة من هذه الدول لتزخيم مسيرة الحرب، رغم تفاوت درجات الانخراط بالحرب، فكانت الإمارات فيها أقل المتورطين، وهي حافظت على الخطوط والخيوط مع دمشق وصولاً لتشكيل طليعة الدول العربية التي عادت من المقاطعة إلى التواصل، بينما تردّدت السعودية وصولاً لبدء مسيرة العودة، بقيت قطر وحدها على ضفة العداء المستحكم، وفيما جاءت حرب سيف القدس بصفتها حرباً لمحور المقاومة، تعيد فرز المواقف، ظهرت السعودية والإمارات في حال التجاهل، بينما حاولت قطر من موقع تبني حركة حماس تجاهل المتغيرات الكبرى التي حملتها الحرب لجهة رجحان كفة محور المقاومة حتى داخل تركيبة وتوازنات حماس، لتتجاهل عن عمد ومعها من بقي في حماس على حال الإنكار، أن سورية شريك في صناعة النصر.
– على أبواب التحوّلات الكبرى التي تحملها نهاية الحروب الأميركية بسبب الفشل، ومعها تراجع مصادر قوة الكيان بسبب العجز والفشل معاً، تعيش دول الثلاثي السياسي الخليجي، التي انقسمت وبلغ العداء بينها ذروته قبل شهور، حال إنكار أن زمن زعامتها الوهمية الذي حمله الربيع الأميركي على المنطقة قد انتهى، وتحمل كل منها وشماً يصعب عليها تخطيه من بقايا هذا الاستعمال الذي كانت عرضة له في هذه الحروب الفاشلة. فالسعودية تحمل وشم حرب اليمن ويصعب عليها تخطي عقدته بمراجعة شجاعة، رغم اليقين باستحالة تحقيق نصر، واستحالة تحقيق مكاسب سياسية، وفقدان الأمل بالحصول على المزيد من التغطية الدولية، والإمارات تحمل وشم التطبيع وتبالغ في التورط دون فتح باب التراجع، رغم ما ظهر في حرب سيف القدس من تراجع خطير في مكانة الكيان ومستقبله، بينما قطر تحمل وشم لعنة سورية وتمضي دون تفكير وحسابات في دفن رأسها في الرمال لتجاهل حقيقة الانتصار في سورية، مرتهنة للحظة المراجعة التركية المحكومة بحسابات لا يجب أن تدفع قطر ثمنها بأي حساب عاقل.
– لا يفسّر الانقسام حول الأخوان المسلمين أزمة العلاقات بين قطر والثنائي السعودي الإماراتي، رغم طفوه على سطح الخلاف. وها هي تركيا تعرض رؤوسهم للبيع لتطبيع علاقتها بمصر والخليج، بقدر ما يبدو السبب في التسابق على مكانة الوكيل المعتمد عند الأميركي في إدارة وهم الزعامة العربية، التي أدت الحروب التي تورط بها أطراف الثلاثي الطامح للزعامة، الى تهديدها، بينما حافظت دول عاقلة ومتواضعة التطلعات على مكانتها كالكويت وعمان. ومع التراجع الأميركي، تحاول دول الثلاثي فتح قنوات خلفية للتأقلم، فتبدأ السعودية حواراً مع إيران، التي قالت إنه بسببها ذهبت جيوش السعودية الى اليمن وصنفت حزب الله إرهابياً، وتعود الإمارات الى دمشق التي قالت إنه بسببها قاطع الإماراتيون حزب الله، وتقف قطر مع غزة وفلسطين حيث الموقع الأصلي لحزب الله، ويجتمع الثلاثة على تحميل حزب الله مسؤولية فشل مشاريعهم، بينما تحتاج سياساتهم الى مراجعة أبعد من مجرد التكتيكات لأن الذي تغير في المنطقة استراتيجي بامتياز.
– الخطوات التكتيكية لا تؤسس لمرحلة جديدة، فلا موقف قطر مع غزة يكفي ما دامت لم تتراجع عن العداء لسورية، ولا المراجعة السعودية للعلاقة بإيران وسورية تكفي ما لم تتراجع عن عدوانها على اليمن، ولا الذهاب الإماراتي الى سورية يكفي ما لم يتم التراجع عن التطبيع، وبينما الكل يسعى للاستحصال على براءات ذمّة عن العشر العجاف التي كانوا شركاء الخراب فيها، لا يملك أحد غير الضحايا منح هذه البراءات، فبراءة السعودية تصدر من اليمن وبراءة الإمارات تصدر من فلسطين، وبراءة قطر تصدر من سورية، وكل مصدر آخر للبراءة مزيّف ومزوّر.