في وقتٍ كانت تسود فيه حالة ترقب لما سيقوله والرسائل التي سيوجهها للخارج والداخل، ظهر أمين عام حزب الله حسن نصر الله، في خطابه الذي ألقاه مؤخراً بذكرى التحرير، متعباً كثيراً، حين كثر سعاله وتحدث بصوتٍ خافت بشكل ملحوظ، ليس هو المعتاد له. وهذا ما حوّل الاهتمام إلى حالته الصحية، بعد أن بدا في صورة لم يعتد عليها جمهوره ولا الجمهور اللبناني.
مفتاح إيران في المنطقة
هذه الإطلالة التي فتحت الباب أمام سيلٍ من التسريبات والتحليلات والشائعات حول الحالة الصحية لأمين عام حزب الله، سرعان ما نفاها الحزب بإعلانه أن نصر الله سيلقي الأسبوع المقبل كلمة جديدة، وسط المزاعم عن تدهور حالته الصحية جراء إصابته بفيروس كورونا. ورغم حسم هذا الملف الذي كثُر الحديث عنه في الأيام الماضية، إلاّ أنه أثار جدلاً في إسرائيل حول مستقبل الحزب بعد نصرالله.
ولأنه يُعد من أبرز لاعبي المنطقة، وتحديداً في الساحة الإقليمية، اعتبرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، أن رجالاً مثل نصرالله هم مفتاح دور إيران في المنطقة. فهو كان إلى جانب عماد مغنية، القائد العسكري للحزب الذي قُتل عام 2008، وإلى جانب أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، الذي اغتيل بدوره عام 2020، من العوامل الرئيسية في هيمنة إيران على المنطقة.
وحتى وهو متوارٍ عن الأنظار في مخبئه، يمثل نصرالله، حسب الصحيفة، رمزاً مهماً يجسد دور حزب الله الكبير في نظرة إيران للعالم. فالحزب يمتلك اليوم حوالى 150 ألف صاروخ. ولديه شبكات من غرب إفريقيا إلى أميركا الجنوبية، ومن لبنان إلى إيران وما وراءهما. كما أنه يلعب دوراً في سوريا والعراق ويعمل مع الحوثيين في اليمن.
ماذا بعد نصرالله؟
وبينما يؤكد مناصرو حزب الله أن نصر الله مصاب بنزلة برد أو ربما التهاب رئوي. تنقل الصحيفة الإسرائيلية عن البروفيسور إيال زيسر، المحاضر في جامعة “تل أبيب” وأبرز المستشرقين الإسرائيليين، قوله لصحيفة “إسرائيل هيوم”، أن خطاب نصر الله الأخير أصبح يُعرف بـ”خطاب الكحة”. وبدلاً من التركيز على تهديداته وتصريحاته المنمقة، تصدرت حالته الصحية معظم العناوين الرئيسية.
يطرح زيسر نقطة مهمة من وجهة نظر الدولة العبرية، إذ يقول : “على عكس حركة حماس التي غيّرت قادتها مرات عديدة، ليس أقلها بسبب الاغتيالات المنسوبة إلى إسرائيل، كان نصر الله الزعيم الوحيد المهيمن لحزب الله لما يقرب من ثلاثة عقود حتى يومنا هذا. وكما هي الحال مع أي ديكتاتور شرق أوسطي نموذجي، حرص نصرالله على عدم ظهور خليفة محتمل، الأمر الذي يقودنا إلى الأسئلة التي تُثار حالياً في لبنان حول ما بعد نصر الله، وهي أسئلة حتى لو تأخرت أجوبتها، فإنها لا تزال حتمية”.
وتشدد الصحيفة على أن هذه التساؤلات مشروعة، بسبب المكانة التي بلغها الحزب تحت قيادة نصر الله. لقد أصبح الحزب إياه منظمة قوية بشكل استثنائي، أقوى من لبنان وأقوى من العديد من الدول الصغيرة. فضلاً عن أنه ساعد في إنقاذ النظام السوري خلال الحرب الأهلية السورية. وعلى الرغم من حقيقة صعوبة تجنيده إلا عدداً قليلاً نسبياً من الشيعة اللبنانيين، نجح الحزب بتجنيد الآلاف، وأصبح العديد منهم من المحاربين القدامى، ما زاد من قدراته العسكرية.
كل ذلك يجعل من نصرالله من نواحٍ كثيرة أحد آخر أعضاء المحور الإيراني الرئيسيين في المنطقة. وبالنسبة إلى الصحيفة، فإن رحيل عماد مغنية ومحمد حجازي وقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، جعل من نصر الله آخر القادة العظام.
قضية معقدة!
وضمن سياق تحليلها وعكس ما يجول في خاطر القادة في تل أبيب، رأت الصحيفة بأن مستقبل الحزب بعد نصرالله هو قضية معقدة. فقد اعتاد العالم على فكرة أن وكلاء إيران لا يعتمدون على رجل واحد. وعلى عكس نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، لا تعتمد شبكة الأخطبوط الإيرانية على الرجال الكبار والصغار وحسب. وهذا يعود لأن النظام الإيراني متجذر بشكل أساسي في قدرات الأشخاص الذين يجندهم، ومعظمهم بين الشيعة.
وبذلك، تعتمد إيران على المهندسين والمشغلين، وغالباً ما تدرب وحدات صغيرة نسبياً من مجموعات النخبة، مثل كتائب حزب الله العراقية، لتنفيذ عمليات مكثفة. وعلى سبيل المثال، تستخدم الميليشيات الموالية لإيران راجمات صواريخ من عيار 107 و122 ملم لاستهداف القوات الأميركية. إنهم يفعلون ذلك بسرية ويعتمدون على نصب الصواريخ والاختفاء في الليل، فلا يمكن لوكالات المخابرات المركزية والأمن القومي والعمليات الخاصة الأميركية العثور عليهم.
وإذ تشير الصحيفة إلى أن هؤلاء يخطئون بالطبع في بعض الأحيان، وخير دليل على ذلك مقتل سليماني والمهندس على يد الولايات المتحدة، واغتيال مغنية من قبل جهاز الموساد، تشدد أنه بشكل عام يستند هؤلاء الرجال على هياكل ذكية وقوية.
المنطقة تنتظر
وتضيف الصحيفة أن الحزب سيحتاج لمثل هذه الهياكل إذا أراد الاستمرار بعد مرحلة نصر الله. وبما أنه لا يُعرف الكثير عن صحته، باستثناء الشائعات، تنقل الصحيفة ما جاء في بعض وسائل الإعلام بأن أمين عام الحزب خضع لفحص مباشر من قبل طبيب متخصص، ولم تكن هناك حاجة لدخوله المستشفى. وحسب المعلومات، يواصل نصرالله العمل ومواكبة الملفات المعنية، بوتيرة محسوبة عبر الهاتف الداخلي، ويتواصل كلما دعت الحاجة مع مسؤولي الحزب الموجودين في الدائرة الضيقة من حوله.
وتشّبه “جيروزاليم بوست” هذه المعلومات، بما كانت تسربه أجهزة الاتحاد السوفياتي عن صحة القائد الثاني للاتحاد جوزيف ستالين، عندما كان عاجزاً. وتختم بالقول أن منطقة الشرق الأوسط تنتظر، لتتبين إذا ما كان ينقله إعلام حزب الله بأن نصرالله يعاني من بعض الحساسية صحيحاً أم لا.