بقلم: محمد العمر
اختصرت العنوان لأقصد بالصهيونية ذلك المصطلح الذي يشير سريعا للقوى التي خلقت الحركة الصهيونية و ما تبعها من خلق الكيانات العربية و خلق إسرائيل كخطوات في مسيرتها للسيطرة المطلقة على الاقتصاد العالمي… كيانات مهما بلغت من أسباب القوة، ضعيفة، من السهل العبث بها و تحريكها لما يخدم ذلك المشروع… لن أذكر شيئا عن حجم العدوان و لا عن حجم الردود المقاومة و عدد الضحايا… و لن أذكر شيئا عن ” الفرحة العربية ” التي غمرت كثيرين و تأملوا خيرا بنبض جديد يطرأ في قلب حماس الشجاع و هي الٱن في طور الخروج من العباءة الإخوانية و عباءة أردوغان و الدخول في خندق فلسطين لا تبرحه حتى تحرر القدس أو تستشهد عن بكرة أبيها فتدخل الجنة… بعضهم قال ”انتصرت فلسطين” و البعض الٱخر تقصد أن يقول ”انتصرت غزة” بينما رفع بعض القوميين العتيقين صور الزعيم ناصر مكتوب تحتها ”انتصر العرب” دون وجود رابط عقلاني بين الصورة و بين الأحداث ناهيك عن انتصار العرب…
شأن جراثيم الأمة الأخرى السقيمة بهذيان الخلافة و عودة زيها و لحيتها و نعلها يريدون لها أن يوقظها الحنين فتبكي أفضال من رحلوا و تمضي بقية حياتها على الذكرى… لا أحد ينكر على الفرحين فرحتهم و لا على المتلهفين للنصر لهفتهم لكن من المعيب بعد أن قضت أجيال لأجل ”القضية” و بعد هذه التجارب و الخبرات المفترض أنها اكتسبت أن يكون الفرح وهما يصنعه الإعلام و النصر رعشة عابرة تسببها تصريحات العدو و أداء عملائه…
حدث فيما مضى اعتداءات كانت فيها الصواريخ المدافعة أكثر كثافة و عدد الضحايا أكبر و كان الغضب و الفرح العربيان أعظم و لم ينتصر العرب و لم تنتصر فلسطين و استمرت مأساتها و استمر الشقاق الفلسطيني و نفاق حماس و نفاق السلطة و استمرت أيضا مساعي المصالحة… ما حدث لا يعدو أن يكون معركة نمطية تكاد أن تصير لازمة في حياة فلسطين و هي قيد الإحتلال و هي قيد تلك القيادات… دائما يحدث اعتداء و دائما يحدث رد و تهديد بالتصعيد ثم بعد مدة يأتي دور الشقيقة مصر التي سمحت لتوها بنقل المصابين عبر معبر رفح فتقرب وجهات النظر ثم تتوقف المعارك و يوقع اتفاق لوقف إطلاق النار و يتابع الإعلام العربي انتصاراته…
أمر واحد يسترعي الانتباه في تلك الأحداث لا يقارن بالرد الصاعق المعتاد و لا بالعدوان الغاشم المعتاد و لا بالظلم الذي يطال كل مرة الأبرياء دون أن يحرك لو شعرة رفيعة في شرف العرب الرفيع… ما يلفت الانتباه هو مواكبة وسائل الإعلام العالمية لتلك الأحداث بأسلوب من يمارس ضغطا على إسرائيل… الإعلام العالمي الأكثر تأثيرا و جماهيرية كان دائما درع إسرائيل المتين و كان جنديا إسرائيليا يشاركها الجريمة بل و يقتحم قبلها الجبهات ليمهد لها الطريق و كان يسعى في أحداث مشابهة و أكثر مأسوية لحجب اسم فلسطين و لا يذكر من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة إلا في سياق حقوق إسرائيل الأكثر شرعية بنظره ولكنه صار ينقل صور علم فلسطين يحمله مشاهير العالم من رياضيين و فنانين و غيرهم معطيا دفعا معنويا عاليا لدى من يعمل ليل نهار على تكريس الاحباط و الهزائم و العجز في لاوعيهم…
فما الذي تغير في ضميره أو سياسته فأرغمه على نقل الحقيقة أو بعض منها؟؟… بداية ظننت أن الغاية هي تعويم حماس أو تعويم أشخاص أو إسقاط نتنياهو أو حتى مساعدته لتشكيل حكومة قوية ثم خطر لي احتمال ٱخر حين تذكرت ما أشار إليه الأستاذ نارام عن صراع محتمل بين الدولة العميقة الراسخة و بين قوى مستجدة تطمح لقيادة المشروع العالمي ”و ذلك في معرض حديثه عن نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة”…
هذا الاحتمال بقي حاضرا لدي دالاً عليه نشاط المؤسسات الإعلامية المملوكة لتلك القوى القديمة الذي هدف إلى تسليط الضوء لأول مرة على قضية فلسطين من وجهة نظر لاصهيونية… إن تحريك جبهة على قدر كبير من الحساسية و تعتبر قطب الرحى في مشروعهم يشير إلى الصراع القائم إن تهديد ربيبتها إسرائيل ” لا وجوديا ” و إنما على صعيد الإعلام المركز هو استعراض للقوة يؤكد استمرار سيطرة الدولة العميقة الأقدم و يؤكد رسوخها و كانت كمن لوح بالعصا فأحدث هزة لن تتسبب بإزالة إسرائيل و لا باتحاد العرب و لا باتحاد الفلسطينيين… كل خيار يبقى قابلا للاحتمال شأنه شأن كل قضية يلقونها في وجه العالم تحتمل تأويلات لكل منها نصيب من الحقيقة إلا خيارا واحدا هو أن العرب انتصروا أو أن فلسطين انتصرت أو تنتصر بعيدا لو ربع خطوة عن مجريات الحرب السورية القائمة و لا أقول إنني حددت الغاية النهائية من الأحداث و لا حسمت أمرها و قلت فقط ما رٱه كلنا.
ملاحظة… الصراع بين القوى العميقة ذكره منذ سنوات الكاتب الروسي ”فالانتين كاتاسونوف” و ذكر أسماء بعض وسائل الإعلام المملوكة لتلك القوى و منها صحيفة نيويورك تايمز التي أفردت مقالا و صورا مؤثرة عن أطفال غزة بعد وقف إطلاق النار.
المصدر: محمد العمر