العقلية الإلغائية
مثل تلك الفكرة، تعبّر بصراحة ووضوح عن طريقة تفكير باسيل والتيار الوطني الحر، وميشال عون بالتحديد. وهو الذي يعتبر أنه لا بد من سحق السنّة وضرب التوازنات السياسية التي أرساها اتفاق الطائف. وهذا ينتج عن عقلية إلغائية تندفع وراء رغبات، هدفها الإتيان بشخصية سنّية مؤيدة أو موالية ومنصاعة لما يطرحه عون وباسيل، ليس لها أي تمثيل شعبي، إلا إذا كانت الشخصية قادرة على تجيير هذا التمثيل لصالح التفاهم معهما وتلبية مصالحهما، على غرار ما قال الحريري ذات مرّة، لدى البحث في قانون الإنتخاب بالعام 2018، وأيام الوئام والغرام مع عون: “لا ينتظر أحد منّي أن أزعج عون، أو أن أختلف معه”. حينها كان الحريري رجل دولة بالنسبة إلى التيار الوطني الحرّ، أما عندما اختلف معه أصبح يستحق “النهاية السياسية”.
على إيقاع منظومة التفكير هذه، سيشهد لبنان في المرحلة المقبلة موجات جديدة من الاستفزازات السياسية، التي تتجاوز الصراع على اتفاق الطائف، والتنازل عن الصلاحيات في آلية تشكيل الحكومة، لتصب في سياق الدعوات المتكررة لإعادة العلاقات مع النظام السوري، واستخدامها كمتنفس جديد، لإظهار الغلبة السياسية لهذا الطرف على الطرف الآخر المعارض للنظام. حزب الله يعرف أن مثل هذه المشاريع تقود إلى توترات سياسية وأمنية وعسكرية بغلاف طائفي ومذهبي. وهو في الأساس كان قد اضطلع بمثل هذه الممارسة السابقة، وحقق ما يريده بموجبها. لكنه حالياً يعلم استحالة القدرة على تكرارها. وفي الأساس، لم يعد بحاجة إلى تكرار تلك الممارسة، بما انه حقق ما يريد. وجميع القوى تحرص على إبقاء التفاهم والتنسيق معه. لا بل أن اهتماماته تغيرت، وتتركز على كيفية توفير أوسع غطاء ممكن للاستمرار في ما حققه. ولذا، لن يكون قادراً على مجاراة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ بمطالبهما. هذا الفريق يعمل على استدراج حزب الله أكثر إلى خانته، من خلال محاولات إحراج الحريري أكثر وتضييق الخناق عليه، في عملية تشكيل الحكومة، لتنقلب المعادلة عليه بدلاً من أن تكون لصالحه.
الاستقواء بالأسد
هذه الوقائع، وفي ظل الاستعصاء السياسي المستمر، وعلى الرغم من كل الكلام عن تجديد التحركات والمفاوضات لتشكيل الحكومة، أصبح من الواضح أنها لن تتشكل، وسط مواقف يطلقها باسيل أيضاً، تتعلق بـ”الانتصار في سوريا”، والذي يجب أن ينعكس على لبنان. وسط رهان واضح على أن النظام السوري لن يكون في عزلة ولن تستمر عزلته. كما أنه سيكون مطروحاً على طاولة التفاوض الإيراني الأميركي، والروسي الأميركي، والسعودي الإيراني.
في المرحلة المقبلة، ثمة من سيدفع لبنان إلى مواكبة هذه التطورات، ما سيؤدي إلى إعادة تكريس الانقسام اللبناني الكبير حول الانفتاح على دمشق. فسيشهد موجات جديدة من الدعوات إلى تجديد الزيارات والاتصالات، لاستثمارها بالوقائع الداخلية. إنها لعبة الوهم اللبنانية الدائمة التي لا تكون نتائجها سوى الغرق في المزيد من الخراب.