نظام الخدمات ينهار: زمن العتمة والشلل!
هل دخل لبنان واقعياً المرحلة الأشدّ قسوة وشراسة وصعوبة في معاناة اللبنانيين جراء الكارثة المتدحرجة في كل #الخدمات والبنى الحيوية الأساسية الآخذة في التراجع والتعطيل والتوقف والانحسار بما لم يشهد لبنان مثيلا له في اعتى حقبات الحروب والاجتياحات العسكرية الاحتلالية؟
لا ينطلق السؤال لا من نزعة للتضخيم ويكفي اللبنانيين ما “يقصفون” به يوميا من “خبراء” مزعومين او حقيقيين يتبارون على الشاشات في إفزاع الناس، ولا من اي معطيات مصطنعة بل يبدو أي رسم لواقع #الانهيار المتعاظم والمخيف للبنى الخدماتية اقل بكثير من حقيقة ما بلغه واقع القطاعات الخدماتية بأسرها.
في اليومين السابقين فقط كان يكفي أي راصد خارجي او داخلي لعاصفة الانهيارات الخدماتية ان يدقق في عناوين الغليان الذي انفجر عبر تحركات احتجاجية او إجراءات تقشفية او تحذيرات وإنذارات تتصل بتوقف خدمات أساسية لكي يدرك ان لبنان يهوي بسرعة مخيفة نحو واقع بلد قد تغدو فيه البنى الخدماتية كلها مهددة بالشلل غير المسبوق حتى في بلدان تعاني من الحروب.
سواء كان الامر يتصل أساساً بـ”محنة” #التمويل المتصلة بالاستيراد ب#الدولار الأميركي، او بالفوضى المخيفة المتصلة بالتسعير تبعاً لتموجات الازمة المالية والمصرفية، او بوجود مافيات لا يخفى على احد انها تحظى حالياً بزمنها الذهبي في زمن الانهيار واندثار الدولة، لأن السلطة لاهية بحرب تصفية الحسابات والإمعان في تعطيل #الحكومة التي يمكن ان تشكل خشبة خلاص وإنقاذ من الغرق النهائي … كل هذه المعطيات تصب في طاحونة واحدة أخيرة هي ان لبنان يبدو كالآلة التي تتوقف قطعة وراء قطعة، ان لم نكرر استعارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في تشبيهه لبنان بسفينة التايتانيك لدى غرقها المتدرج .
لم يبق قطاع خدماتي حيوي الا وضربته عاصفة الشلل او التهديد بالشلل والتوقف . من #الكهرباء التي تنازع على حمولة آخر سفينة فيول ولن يبقى في الأيام القليلة المقبلة أي معمل انتاج الا وسيتوقف لتعمم العتمة “التاريخية” كل ربوع لبنان ومناطقه. الى قطاع مولدات الكهرباء الذي يطلق الإنذارات حيال شُح #المازوت واللجوء الى تقنين آخر مع رفع أسعار محموم . الى قطاع المحروقات حيث الفوضى تضرب في كل الاتجاهات سواء في تعطيش السوق للبنزين او في فقدان المازوت والتلاعب بهذه المادة الأساسية . الى قطاع الانترنت الأشد اثارة للقلق مع الإنذارات المتصاعدة حتى من أوجيرو نفسها والخوف من تمدد الانقطاعات الى الهاتف الخليوي أيضا. الى القطاع الاستشفائي والطبي والصيدلي وهنا الوهن الأكبر في كل ما يتصل بالصحة الفردية والعامة والاستشفائية والدوائية …
ويشار في هذا السياق الى ان وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني كان ارسل في 28 أيار الى مصرف لبنان طلبا بفتح أربعة اعتمادات بقيمة 62 مليون دولار لتزويد معامل انتاج الكهرباء بالفيول لكن المصرف المركزي ينتظر طلبا من الحكومة لتسديد الاعتمادات .
فماذا بعد هذه التطورات الضاغطة ؟ واذا لم يسمّ هذا انهياراً فأي صفة يحمل ؟
أسبوع فاصل؟
مع ذلك لم يلمس اللبنانيون بعد أي معطى جدي وملموس لإمكان حصول تطور استثنائي ما يخرج جمل الازمة الحكومية المستعصية من خرم إبرة التعطيل الذي يبدو الوجه الملاصق الاخر للانهيار الكبير المتدحرج بفعل متعمد ومقصود بدليل الأفخاخ التي نصبت لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري في الأسبوع الماضي وأدت الى ترسيخ واقع الاستنزاف الذي تتسع معه احتمالات الانهيار الأكبر.
لم يعد ممكناً في هذا السياق الركون الى أي تقديرات او رهانات متفائلة بإمكان استنقاذ هذه المبادرة ومعها آخر فرصة لتأليف الحكومة، علماً ان الفريق المعطل لم يجد أي حرج في إضافة شرطين محدثين امام المبادرة من خلال اعتباره تشكيلة الثلاث ثمانيات ترسيخاً للمثالثة كما من خلال تلويحه بخيار تقصير ولاية البرلمان.
تبعا لذلك ثمة معطيات جادة للغاية تشير الى ان الأسبوع الطالع سيكون فعلا أسبوعاً حاسماً بين آخر حظوظ مبادرة بري للإقلاع ومعها الفرصة الأخيرة لتشكيل الحكومة وفق توزيعة الـ 24 وزيرا واستنباط حل للعقدة الأخيرة (المفترضة) أي بت مشكلة تعيين الوزيرين المسيحيين، وبين مروحة “الخيارات الأخرى” التي باتت تدور حولها التكهنات بكثافة بدءاً باحتمال اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري مروراً برفع لواء حكومة الانتخابات وانتهاء باستقالات نواب كتل وازنة من شأنها ان تفتح الباب امام الانتخابات النيابية المبكرة . وتشير هذه المعطيات الى ان ما بدأت تشهده البلاد من تعاظم الاخطار الاجتماعية والخدماتية لم يعد يسمح بتريث او بانتظار مفتوح، لذا سيتسم الأسبوع الطالع بأهمية مميزة علما ان “حزب الله” سيكون له موقف بارز أيضا من خلال الكلمة التي سيلقيها عصر غد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بعد ابلاله من وعكته الصحية. وأفادت معلومات ان الاتصالات البعيدة من الأضواء استؤنفت في الساعات الأخيرة حول مبادرة بري وان لقاءات ومشاورات ذات صلة ستجري في الأيام المقبلة .
وكانت تقارير اشارت إلى أن الحريري أبلغ بري أنه يُعطي تشكيلة الـ 24 وزيرًا الموزعة وفق ثلاث ثمانيات فرصة أخيرة، وإذا لم يُقبل بها سيذهب للاعتذار واستقالته وكتلته من مجلس النواب .
وصعد المجلس السياسي في “التيار الوطنيّ الحر” شروطه بعد اجتماعه السبت اذ اعلن انه “يرفض قطعاً أي إنقلاب على الدستور بتخطي المناصفة الفعلية وتكريس أعراف جديدة بالحديث عن مثالثة مقنّعة يحاول البعض الترويج لها على قاعدة ثلاث مجموعات من ثماني وزراء يقود كلاً منها أحد المكونات الأساسية في البلاد، مع تأييده إستثنائياً لهذه المرّة، ألاّ يكون لأي فريق أكثر من 8 وزراء”. واعتبر المجلس أنه “في حال الإصرار على عدم تشكيل حكومة، وفي ضوء الإنحلال المتسارع في بنية المؤسسات، وامتناع الحكومة المستقيلة عن القيام بواجباتها في تصريف الأعمال بما تقتضيه المرحلة وأبسطها حلّ مشكلات الترابة والنفايات والمواد الأساسية، فإن خيار تقصير ولاية مجلس النواب سيصبح عملاً إجبارياً وإن كان سيتسبب بمزيد من هدر الوقت، فيما لبنان بأمسّ الحاجة للإسراع بإقرار القوانين الإصلاحية”.
المصدر: النهار