تعبئة الفراغ بالمناورت

يتسابق “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل” على التلويح بالاستقالة من البرلمان كمخرج من المراوحة الحاصلة في تأليف الحكومة. وإذا كانت هذه الخطوة بالنسبة إلى “المستقبل” ستقترن باعتذار زعيمه سعد الحريري عن عدم تأليف الحكومة، فإنها بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر” تحقق له هدفه المرحلي بالتخلص من الرئيس المكلف.

وفي وقت يعتبر مراقبون أن هذه الخطوة انهزامية من قبل الحريري أمام جمهوره الذي يريد منه أن يصمد في وجه ضغوط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه ويطالبه بالاستمرار على موقفه، يراها بعض المتحمسين لها من قياديي “المستقبل” تحدياً يتيح تجديد الأكثرية النيابية في ظل التفاف سني حول موقف الحريري، ويقلّص حجم خصمه “التيار الحر”. في المقابل يعتقد المروجون لها من الفريق العوني أن استقالة نوابه ومعهم نواب “القوات اللبنانية” عنصر ضاغط لتقليص ولاية البرلمان من أجل انتخابات مبكرة، تمكنه من خفض خسائر تكتله النيابي التي يرجح أن تزداد إذا جرت بعد 11 شهراً.

الجانبان مكبلان في قرارهما. “المستقبل”، الذي تشدد مصادره القيادية على أن البحث في الخطوة جدي، عازم على تجنب الإقدام عليها من دون التفاهم مع رئيس البرلمان نبيه بري، الذي وقف مع الحريري وسانده في موقفه المبدئي من صيغة تأليف الحكومة، وفي تسلحه بصلاحياته الدستورية. بات بري يوصف بأنه الحليف الوحيد للحريري. أما “التيار الحر” فتبلّغ من حليفه “حزب الله” معارضته لها. فالثنائي الشيعي على رغم ضمانه بأن حجم كتلتيه النيابيتين لن يتغير في انتخابات مبكرة أو في موعدها، لا ينظر بارتياح إلى تجريد الموقع الشيعي في رئاسة البرلمان من دوره بتقليص ولاية المجلس النيابي في ظل الأزمة الراهنة، بينما تستمر الرئاسة الأولى ورئاسة الحكومة في موقعيهما.

خيارات الفريقين ضيقة بالعلاقة مع “الحليفين”. الحريري إما أن يساوم بتأليف الحكومة ويتحمل النتائج أمام جمهوره، أو أن يعتذر ويخسر التفاف هذا الجمهور حوله داخلياً ويخذل الخارج الذي ساند تكليفه، سواء لأنه تبنى المبادرة الفرنسية وبنودها أو لتشبثه بصلاحياته، كما هي الحال مع بعض الدول العربية. أما خياره الثالث فهو أن يستمر مكلفاً حتى الانتخابات النيابية في أيار 2022، إذا كان قرار خصومه إبقاء الفراغ إلى حينها. في هذه الحال سيحمّله اللبنانيون مسؤولية الانهيار بفعل الفراغ مثله مثل الفريق العوني.

فريق عون – باسيل أقل اكتراثاً بسقوط الهيكل وفق تجاربه التعطيلية السابقة، مهما كانت خسائر جمهوره وسائر اللبنانيين، والانعكاسات السلبية على المسيحيين. يعلن التزامه مبادرة بري حتى لا يغضب حليفه “حزب الله”، لكنه يبعث بالرسائل الرافضة لها، تارة باقتراحه أن يدعو رئيس الجمهورية إلى “حوار بين الكتل البرلمانية لبحث الخيارات والإصلاح واستكمال تشكيل السلطة التنفيذية، والتصدي للتحديات المصيريّة”، بهدف تعديل الدستور لتطويق الحريري بمهلة التأليف، على رغم أن أكثرية المسيحيين لن تحضره، أو باستعادة اقتراح تقليص ولاية البرلمان، الذي تقول مصادر نيابية إنه يحتاج إلى حكومة ترسل مشروع قانون في هذا الصدد، فيما البحث في اقتراح قانون من 10 نواب لن يحظى بالأكثرية.

يتعاطى المتابعون لمبادرة الرئيس بري العالقة أمام رفض عون وباسيل تسمية الحريري لوزيرين مسيحيين، مع التلويح بالاستقالة من البرلمان على أنها مناورات لا طائل منها. وعلى رغم أن الفريق العوني وافق على ألّا يسمي رئيس الجمهورية الوزيرين، لإظهار الليونة حيال وساطة الحزب معه، وعرض أن يقترحهما بري و”حزب الله”، أو سليمان فرنجية ووليد جنبلاط، فإن بري يتمسك بإصرار الحريري على عدم جواز تكريس سابقة تجريده من حقه الدستوري بالتسمية.

المناورات أقرب إلى تعبئة الوقت، بينما الأولوية لتشكيل الحكومة التي يصر بري والحزب على أن لا بديل عنها. ولذلك لا يقيس انتظاره الأجوبة الإيجابية التي يأمل أن تأتيه عن المخارج التي يطرحها، بالساعات بعد تعطيل دام أشهراً.

Exit mobile version