“يسرائيل هَيوم”
أهرون لبران – مسؤول سابق في الاستخبارات
نتائج القصف الجوي في عملية “حارس الأسوار” تطرح مجدداً السؤال الاستراتيجي الكبير: هل من الممكن الانتصار وتحقيق أهداف أساسية في المعركة بواسطة القصف الجوي فقط ؟
كوني من الذين كان لهم دور مركزي في التخطيط لعمليات القصف الاستراتيجي على مصر خلال حرب الاستنزاف (1969-1970)، وعلى سورية خلال حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر] (1973)، سأحاول توضيح المسألة. من المعروف التقدير أن القصف المنهجي الجوي الكثيف للحلفاء لألمانيا [خلال الحرب العالمية الثانية] لم يشكل جزءاً مركزياً من النصر. وليس قبل انتقال الحلفاء إلى عمليات قصف أكثر دقة استهدفت شبكة السكك الحديدية كهدف عسكري مركزي. أدى ذلك حينها إلى فرض قيود شديدة على القدرة على التنقل، وعلى حرية العمل العسكرية للألمان. وكذلك إلى عملية خنق استراتيجي. مع ذلك جرى القضاء على آلة الحرب الألمانية، في الأساس بواسطة الهجمات البرية للاتحاد السوفياتي وحلفائه.
في حرب فيتنام ألقى الأميركيون أطناناً من القنابل توازي كل ما أُلقيَ خلال الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من ذلك فإنهم لم ينتصروا على جيش فيتنام الشمالية. فقط عندما ألقى الأميركيون من الجو ألغاماً بحرية على ميناء هاي فونع وتسببوا بوقف العمل فيه، وفي المقابل قصفوا ودمروا الجسور والسدود في حقول الأرز وتسببوا بطوفان مناطق واسعة، حدثت انعطافة في الحرب. وذلك لأن هذه الخطوات حدّت بصورة كبيرة من الحركة وقيدت تحرك قوات الفيتكونع، وأدت في نهاية الأمر إلى اتفاق باريس. في فيتنام أيضاً أدى القصف الجوي إلى النتائج المرجوة عندما كان موجهاً نحو خنق استراتيجي.
في حرب الاستنزاف ضد مصر قصف سلاح الجو الإسرائيلي العمق المصري، بهدف فرض وقف إطلاق النار على جبهة القناة. وعلى الرغم من أن عمليات القصف هذه لم تكن قصفاً استراتيجياً إلّا إنها كانت مؤلمة جداً بالنسبة إلى مصر، لكنها لم تؤد إلى وقف إطلاق النار في القناة. مع ذلك تركت الصدمة القاسية جرّاء القصف في العمق بصماتها على القيادة المصرية، التي لم تشن حرب يوم الغفران قبل أن تتزود بالسلاح الملائم لشن هجمات في عمق إسرائيل.
أيضاً القصف الاستراتيجي في سورية خلال حرب يوم الغفران لم يؤد إلى النتيجة المرجوة، سواء لأنه كان محدوداً في حجمه أو لأنه لم يؤلم القيادة السورية.
في عملية “حارس الأسوار” كان القصف الجوي للقطاع هو الأساس في القتال. وقد ألقى سلاح الجو بمئات الأطنان من الذخيرة الدقيقة على قرابة 1500 هدف لـ”حماس” والجهاد الإسلامي طوال 11 يوماً من القتال في مساحة من الأرض صغيرة للغاية. لقد حقق القصف إنجازات مهمة. ومع ذلك فإن هذا القصف بالإضافة إلى بطاريات القبة الحديدية لم ينجحا في منع مسارين جوهريين لتحقيق الحسم: لم يمنعا إطلاق 4300 صاروخ وقذيفة، ولم يدفعا التنظيمات المسلحة إلى المطالبة بوقف إطلاق النار.
من هنا الاستنتاج أن من الصعب تحقيق انتصار واضح في الحرب بواسطة القصف الجوي وحده. ومع ذلك، في إمكانه تحقيق نتائج تساوي انتصاراً إذا تسبب بخسائر وأضرار وثمن باهظ لا يمكن تحمّله.
فيما يتعلق بالعملية في غزة، لا بد من قول أمرين: الأول، على الرغم من العمل الرائع الذي قام به الجيش الإسرائيلي والشاباك وسلاح الجو إلّا أنه من المحتمل عدم وجود أهداف كافية هناك لتحقيق خنق استراتيجي للتنظيمات المسلحة يمكن أن يؤدي إلى نتائج حاسمة. لذا، يجب تحديد المزيد من الأهداف التي يمكن أن تحقق ذلك (وهذا موضوع يستحق مناقشة منفصلة).
ثانياً، من المحتمل أنه من السابق لأوانه الحكم على نتائج القصف الجوي في العملية وتداعياتها، وما إذا كانت ستؤدي إلى لجم التنظيمات المسلحة لأعوام عديدة كما فعل تأثير عقيدة “الضاحية” [القصف الشديد للضاحية الجنوبية في بيروت معقل حزب الله]، وكذلك بعد عملية الجرف الصامد.