إيران تقلص لائحة مرشحي الرئاسة، فهل سيتم إجراء الانتخابات بمرشح واحد؟

عومير كرمي

يبدو أن النظام الإيراني يعمل على إزالة أي عقبة قد تمنع رئيس السلطة القضائية الايرانية إبراهيم رئيسي من الفوز برئاسة الجمهورية الإسلامية، وربما خلافة خامنئي كمرشد أعلى. وقد تؤدي خسارته إلى زيادة تقويض الشرعية المحلية للنظام.

شكّلت حملة الانتخابات الرئاسية في إيران هذا الأسبوع “مفاجأة شهر أيار/مايو” حيث أعلن “مجلس صيانة الدستور” أنه تمّ استبعاد العديد من المرشحين البارزين من خوض الانتخابات المزمعة في 18 حزيران/يونيو. ورغم أن استبعاد أعداد كبيرة من المرشحين ليس بممارسة جديدة بالنسبة للنظام، إلا أن بعض الأسماء التي تمّ إقصاؤها هذا العام لم تكن متوقعة: فلم تتم الموافقة في النهاية سوى على 7 مرشحين من أصل 40 من الذين استوفوا الحدّ الأدنى من معايير التسجيل في وقت سابق من هذا الشهر، علماً بأن اللائحة النهائية للمرشحين المعتمدين لا تشمل شخصيات بارزة مثل رئيس “المجلس” السابق علي لاريجاني، أو نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، أو الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وحتى الآن، أعلن لاريجاني وغيره من المرشحين المستبعدين أنهم يقبلون بقرار “المجلس” ولن يطلبوا من المرشد الأعلى علي خامنئي إبطاله. غير أن شخصيات بارزة أخرى وجهت انتقادات علنية. فقد وصف صادق، شقيق لاريجاني، الذي كان رئيس السلطة القضائية الإيرانية بأن القرار “لا مبرر له”. أما الإصلاحي المستبعد مصطفى تاج زاده فذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً إنه “لا يجدر بأي مواطن مسؤول الرضوخ” لخطوة “المجلس”، ثم أعلن أن القرار يهدف إلى الإطاحة بالجزء “الجمهوري” من الجمهورية الإسلامية. وحتى أن إبراهيم رئيسي – المرشح الأوفر حظاً والذي سيكون أكثر المستفيدين من الاستبعادات – أعرب عن قلقه، مشيراً إلى أنه حاول جعل الانتخابات أكثر تنافسية وتشاركية. ومع ذلك، ربما كانت الغاية من تصريحه هي خدمة مصالحه الذاتية، وبناء شرعيته والرد على الإشارات الشعبية الساخرة للسباق الانتخابي بأنه “رئيسي مقابل رئيسي” – وربما الحفاظ على فرصه في خلافة خامنئي في المستقبل.

مَن هم على القائمة النهائية؟

إن المرشحين السبعة الذين استوفوا المعايير المطلوبة يميلون بشدة نحو المعسكر المحافظ، مع إضافة اسمين ثانويين من غير المحافظين لتمويه أحدث خطوات النظام للسيطرة [على مرشحي الانتخابات]. ومن بين أبرز المحافظين رئيس السلطة القضائية الايرانية آية الله رئيسي الذي يُعتبر حالياً على نطاق واسع المرشح المفضل لخامنئي بعد أسابيع من التأييد الضمني له وانسحاب العديد من كبار المحافظين (على سبيل المثال، رئيس “الباسيج” السابق علي رضا أفشار، ووزير الدفاع السابق حسين دهقان، ووزير النفط السابق رستم قاسمي).

وتظهر أربع شخصيات أخرى من المحافظين/المتشددين في اللائحة النهائية، على الأقل في الوقت الحالي وهم: رئيس «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني السابق وأمين “مجمع تشخيص مصلحة النظام” الحالي محسن رضائي، وأمين “المجلس الأعلى للأمن القومي” سعيد جليلي، وعضو “المجلس” السابق علي رضا زاكاني (الذي تم استبعاده من سباقييْن رئاسييْن سابقيْن)، ونائب رئيس “المجلس” الإيراني أمير حسين قاضي زاده هاشمي. وإذا كان التاريخ مؤشراً، فمن المرجح أن ينسحب معظمهم قبل وصولهم إلى خط النهاية ويتّحدوا وراء رئيسي باعتباره المرشح الرئيسي المحافظ.

أما المرشحان غير المحافظين في اللائحة فهما رئيس “البنك المركزي” الإيراني عبد الناصر همتي المتحالف مع حزب الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني ولكن يُنظر إليه على أنه تكنوقراط أكثر من كونه زعيم سياسي، والإصلاحي محسن مهرعليزاده، الذي شغل منصب نائب الرئيس الإيراني أثناء فترة رئاسة محمد خاتمي. ولا يملك أي من هذين المرشحين قاعدة انتخابية مهمة أو حضوراً بارزاً في الساحة السياسية الإيرانية، خاصة مقارنة مع المرشحين الذين لم يُسمح لهم بخوض المعركة الانتخابية.

إفساح المجال لرئيسي

كان علي لاريجاني من أهم الأسماء وأكثرها مفاجأة من الذين استبعدهم “المجلس” نظراً إلى نسبه وشهرته في الميدان السياسي في إيران. فعائلته هي من الأسر الأكثر نفوذاً في البلاد، ولها علاقات قوية مع كل من رجال الدين في قُم والنخبة السياسية في طهران. كما خدم الجمهورية الإسلامية في العديد من المناصب الرفيعة منذ الثمانينيات – كضابط في «الحرس الثوري» الإيراني، ووزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وسكرتير “المجلس الأعلى للأمن القومي”، وكبير المفاوضين النوويين، ومؤخراً، كرئيس “المجلس” لثلاث فترات. وقد تأهل للترشح للرئاسة في الماضي (حصل على حوالي 5 في المائة من الأصوات في عام 2005)، ولا يزال من أبرز رموز النظام حالياً.

ومنذ تسجيل اسمه لانتخابات هذا العام، كان لاريجاني ناشطاً للغاية على تطبيقات “كلوب هاوس” و “إنستغرام” و “تويتر” ووسائل تواصل اجتماعي أخرى، حيث كان ينشر [آراءه] عدة مرات في اليوم ويهاجم بعض منافسيه المتشددين، من بينهم رئيسي وجليلي. واقترح البعض أن تَحوّله العملي يهدف إلى اجتذاب قاعدة الرئيس حسن روحاني من الناخبين الأصغر سناً والأكثر ثقافةً، الذين لا يرغبون عموماً في أن يصبح إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية.

ولم يتم نشر السبب الرسمي لإقصاء لاريجاني – ووفقاً لبعض التقارير، حاول “مجلس صيانة الدستور” إلقاء اللوم على ابنته بسبب دراستها المزعومة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن الأرجح أن سجله الحافل المثير للاهتمام وإمكانية أن يكون مرشح تسوية نافذاً هما ما تسبب بإقصائه.

كما أزال “المجلس” عقبات أخرى من أمام رئيسي من خلال قطع الطريق أمام مرشحين بارزين مرتبطين بالإصلاح أمثال جهانغيري وتاج زاده ومحسن هاشمي رفسنجاني (نجل الرئيس السابق). وسجلت جبهة الإصلاح عدة مرشحين على أمل أن يُسمح لعدد قليل منهم على الأقل بخوض الانتخابات، ولكن أعضاء الجبهة كانوا يتوقعون بلا شك أن تتمكّن شخصية أكثر أهمية من مهر علیزاده (الذي لم يكن أحد مقدمي طلب الترشيح من قبلهم) من تخطي عتبة الترشح. ورداً على القائمة النهائية لـ “المجلس”، غرد المتحدث باسم الجبهة، عازار المنصوري، بأنهم لن يدعموا أي مرشح لأن جميع الإصلاحيين قد تم استبعادهم.

أما بالنسبة لأحمدي نجاد، فلم يلبّ المعايير المطلوبة تماماً كما حصل خلال الانتخابات السابقة؛ وعلى الرغم من أن هذا القرار كان متوقعاً، إلّا أن بعض التقارير أفادت بأن النظام نشر قوات الأمن في الحي الذي يسكنه تحسباً لأي ردّ فعل عكسي على الإعلان. كذلك، تمّ رفض ترشح المسؤول في «الحرس الثوري» الإيراني سعيد محمد لخوض الانتخابات.

تأمين مستقبل رئيسي قد يؤدي إلى تآكل شرعية النظام

عندما استبعد “مجلس صيانة الدستور” شخصيات بارزة خلال الانتخابات السابقة، حاول بذلك إرساء توازن من خلال السماح لمرشحي تسوية أقل “خطورة” بالترشح. وتمثلت الفكرة بتقديم شخص يتوافق معه الناخبون العمليون وتقليص فرصة المشاركة المنخفضة بشكل محرج. ففي عام 2013، على سبيل المثال، مُنع رفسنجاني الأكبر سناً من الترشح باعتباره مرشحاً عملياً نافذاً، في حين نجح روحاني “باعتباره الخيار الأكثر أماناً” وفاز بالرئاسة في النهاية.

وأخيراً، يمكن للعديد من الخطوات التي لا يمكن التنبؤ بها أن تقلّص رد الفعل المحلي لإعلان “المجلس”. على سبيل المثال، قد يقرر خامنئي إعادة بعض المرشحين غير المؤهلين كما فعل أحياناً في الماضي، أو قد يعتمد فقط على المصلحة الشعبية في الانتخابات البلدية المتزامنة لضمان مشاركة محترمة في التصويت الرئاسي. ومع ذلك، ففي الوقت الحالي، يبدو أن النظام مستعد لإبعاد بعض مؤيديه الرئيسيين فقط حرصاً على فوز رئيسي بأي ثمن. ويكمن أحد التفسيرات المحتملة لهذا النهج المحفوف بالمخاطر في الإشارات العديدة على أن رئيسي يجري إعداده تدريجياً لخلافة خامنئي كمرشد أعلى. وقد يؤدي فوزه في انتخابات الشهر المقبل إلى تعزيز إرثه التنفيذي لهذا المنصب، في حين أن خسارته السباق الرئاسي الثاني على التوالي قد ينهي هذا الاحتمال تماماً. وفي كلتا الحالتين، قد ينتهي الأمر إلى مزيد من تقويض الشرعية المحلية للنظام.

 

 

Exit mobile version