هتاف دهام -لبنان24
مهما اختلفت الاساليب والادوات، يبقى الثابت الوحيد أن المنظومة السياسية تخلت منذ سنوات عن الدور الذي أوكله إليها الشعب وبحسب الدستور، فأصبح الصراع بين مكونات هذه المنظومة هدف وجودها وبقائها واستمراريتها في الحكم. تعطل عمل الدولة، والاشتباكات بين أركانها على قدم وسبق، وتكاد تعود بلبنان الى الوراء سنين طوالا.
ما يجري في الشأن الحكومي، يؤكد أن المعنيين بالملف يريدون الانزلاق بلبنان الى هاوية العبث الاقتصادي والمالي والاجتماعي والمعيشي. وفي وقت يتعلق المواطن المنتمي الى الطبقتين المتوسطة والفقيرة بـ”قشة أمل”، تتركها تصريحات ملغومة للمعنيين على الخط الحكومي، فإن أطراف النزاع يسجنون الشعب في زنزنات مصالحهم السياسية والرئاسية.
بالامس قال البنك الدولي في بيان إنه لا توجد نهاية تلوح في الأفق للأزمة الاقتصادية في لبنان، التي قد تكون واحدة من أسوأ الانهيارات المالية التي شهدها العالم منذ ما يقرب من 200 عام، فماذا فعل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب والرئيس المكلف سعد الحريري وحزب الله وحاكم البنك المركزي رياض سلامة؟
من دون ان يحرك أحد ساكنا استمع هؤلاء الى البيان عبر محطات التلفزة او اطلعوا عليه عبر “خدمة الخبر العاجل” عبر الهاتف، وكأنه خبر يعني دولة مالاوي في جنوب شرق افريقيا، بمعزل عن أنها تشبه لبنان كثيرا، حيث يعيش 53 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر. الفئة المحظوظة بالتيار الكهربائي لا تنعم به باستمرار بسبب انقطاعه حيث تتوفر الكهرباء لما بين 6 و10 ساعات، وأحيانا تنقطع لثلاثة أيام، علما أن لبنان قد يتفوق على هذا البلد الافريقي في العتمة التي سيقع فيها قبل نهاية الشهر مع توقف معامل الانتاج تباعا.
في خضم فوضى الصراعات والمصالح المتضاربة، يرفض رئيس المجلس النيابي حتى الساعة الاستسلام، فهو وفق المتابعين، يواصل السعي مع حليفه حزب الله تدوير الزوايا لاقناع النائب جبران باسيل بفك الالغام التي يواصل زرعها في وجه تأليف الرئيس الحريري للحكومة العتيدة، خاصة وانه حصل على موافقة من الحريري على صيغة الـ 24 وزيراً (8 – 8-8). وبالتالي فإن الاسبوع الطالع سوف يحسم الواقع الراهن، فإما تنجح مساعي بري وتتألف حكومة، واما يرفع الأستاذ “العشرة” ويطفئ محركاته، وعندها سيكون البلد مفتوحا على كل الاحتمالات، ومشرعا على الفوضى الامنية والتحركات والاحتجاجات التي عادت من جديد الى الشارع ولو بوتيرة محدودة حتى الساعة، عطفاً عن أنه لم يعد بالامكان الطبقة الحاكمة اللعب على مسألة ترحيل الازمات التي تنهش اللبنانيين من كل حدب وصوب.
في هذا الوقت الضائع، تتواصل النقاشات في”ميرنا الشالوحي”وكذلك في بيت الوسط حيال كيفية المواجهة بين الطرفين اللذين يؤكدان أن لديهما اوراقا كثيرة يمكن استخدامها في وجه بعضهما البعض، وان كان خيار اعتذار الحريري المطروح على بساط البحث لا يزال غير ناضج، فالرئيس المكلف لن يخسر شارعه عشية الانتخابات، وبالتالي لن يتراجع ولن يخضع لابتزاز النائب باسيل ورفع سقوف شروطه التي باتت بحسب المتابعين، لزوم ما لا يلزم. فحتى حزب الله يكاد يخرج عن طوره من مراوحة الاخير ويسود تململ داخل صفوفه القيادية من أداء النائب البتروني الذي يأخذ البلد نحو الهلاك.
حسابات العونيين اليوم تنصب في التصريحات والاطلالات الاعلامية على ضرورة اجراء انتخابات نيابية مبكرة على اعتبار أنها تشكل الحل، بيد أن مصادر مطلعة على مواقف القوى السياسية من الاستحقاق الانتخابي، تؤكد أنها تعمل على اطلاق مسار التمديد للبرلمان،رغم ان فرنسا تسعى مع المجتمع الدولي من أجل الضغط لإجراء الإنتخابات النيابية اللبنانية في موعدها في أيّار المقبل، وبالتالي فإن التهويل والتهديد بالاستقالة ليس الا ذرا للرماد في العيون.
بين تحسب باسيل لاحتماغ فراغ رئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس عون وبالتالي الخشية من ان يتولى الرئيس الحريري هذا الفراغ ، وهذا تكمن الازمة الحقيقية، وبين حسابات الحريري الشعبية والسياسية والخليجية ايضاً، يتهاوى لبنان كقطع الدومينو، وكأن هناك من ينتظر لحظة الارتطام الكبير، علما أن المشهد في المناطق اللبنانية كافة لا يختلف. طوابير امام محطات المحروقات. أدوية مفقودة في الصيدليات. مواد مدعومة مخزنة في مستودعات، اصحاب السوبر ماركت ينتظرون رفع الدعم لوضعها على الرفوف بأسعار خيالية. وبالتالي ليس من مصلحة أحد سواء حزب الله أو التيار البرتقالي او غيرهما من القوى السياسية بالمكابرة أو الذهاب بالرهانات إلى أبعد مدى، والرقص على حافة الهاوية، فالموس على رقبة الجميع.
أكثر من ذلك، المؤسسة العسكرية الحصن الأخير لهذا البلد تكاد تلفظ أنفاسها ايضاً لولا المساعدات الأميركية والفرنسية والعربية التي يطلبها قائد الجيش العماد جوزاف عون لتعزيز صمود الجيش في ظل الأزمة الراهنة.