محمد الجنون-لبنان24
وسط التناحر المتمادي في الملف الحكومي والانحدار في مستوى التخاطب بين الأطراف السياسية، باتَ أكيداً أن مختلف الجهات الدولية فقدت ثقتها بالنظام اللبناني ككل، وذلك لفشلهِ في التعاطي مع الانهيار الاقتصادي القائم. وعملياً، فإنّ التأسيس لنظام جديد قد يكون ورقة مطروحة وجدية بالنسبة لدول القرار حول العالم، خصوصاً أنّ ما تعكسه التطورات في لبنان يشيرُ بشكل أكيد إلى أنّ الأوضاع ذاهبة إلى الانفجار طالما لا حلول فعلية.
وفي ظلّ هذا المشهد القاتم، تتجه الأنظار في الداخل والخارج إلى مؤسسة الجيش، التي تعتبرُ الركن الأخير المتبقي في هذه الدولة المتهالكة. وبشكل أساسي، فإن مجمل الدول وفي طليعتها الولايات المتحدة وفرنسا قد أيقنتا أنّ تمكين هذه المؤسسة يعتبرُ الدرع الأخير الذي يحمي لبنان من الإنزلاق نحو أتون الحرب.
تنشيطٌ لعمل “المخابرات”
ولا تنفي مصادر سياسية ودبلوماسية المخاوف من أحداث أمنية قد تقود إلى انفجار حتمي، لا سيما أنّ الظروف الحالية لا تضمن ارتياحاً في الشارع. ولهذا، تحذر مختلف الجهات من أن “أي تساهلٍ في الأمن قد يؤدي إلى ضربةٍ كبرى وسط انعدام الأمان الاقتصادي والاجتماعي”. وهنا، جاء القرار الدول بدعم الجيش بشكل مُطلق ليكون الباب الأول لضمانة عدم حدوث أي فلتان داخلي بشكل أساسي.
وبحسب المعطيات، فإن “هناك سلسلة من المعلومات عن وجود خلايا إرهابية نائمة تنتظرُ ساعة الصفر للتحرّك، والعمليات الاستباقية وكشف خيوطها تحبط مخططاتها”. كذلك، كشفت المصادر “أن هناك مخاوف أيضاً لدى المرافق الدولية في لبنان من تعرّضها لأي هجمات، الأمر الذي دفعها لتعزيز أمنها بشكل أكبر وتشديد التحصينات العسكرية”.
ومع هذا، تقول مصادر أمنية لـ”لبنان24″ أنّ “هناك استنفاراً ضمنياً على صعيد مختلف الأجهزة الأمنية خصوصاً في المناطق التي تعتبرُ ساخنة والتي يمكن أن تكون مفتوحة على مختلف الاحتمالات. ولذلك، فإن عمل أجهزة المخابرات اللبنانية المختلفة بات مكثفاً بشكل كبير، حتى أن أي حادثة أمنية فردية تتم متابعتها من خلال ترصّد المتورطين وإخضاعهم للتحقيق، مثل حوادث إطلاق النار. فما يحصل هو أن أجهزة المخابرات تتخوف من السلاح المتفلت وتخشى أن يتم استغلاله في أي عمل أمني نتيجة لتدهور الأوضاع”.
وفعلياً، فإن كل هذه المعطيات وأكثر وصلت إلى دوائر القرار في الدول الخارجية المهتمة بلبنان، ولهذا أعطت الضوء الأخضر لدعم الجيش، وكان هناك تأكيدٌ على ضرورة تحصين المؤسسة العسكرية مادياً أيضاً في ظل تدهور قيمة رواتب العسكريين بسبب انهيار الليرة. وإلى جانب هذا الأمر، تدرك الدول أن الجيش يمتلك الخبرة الكافية لضمان الأمن الداخلي بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، كما أن لديه القدرات القتالية المناسبة للتدخل والحد من أي فلتان.
وتعوّل مجمل الدول على ثقتها بالجيش في التحرك وضرب أي مكمن خلل قد يزعزع الثقة بلبنان أكثر، وأبرز التحركات على هذا الصعيد هو في تنفيذ الجيش لعمليات دهم واسعة استهدفت معامل تصنيع المخدرات في مختلف المناطق. وهنا، فإن هذه الخطوات تساهم في تعزيز صورة لبنان أمنياً وسط الانهيار السياسي والاقتصادي.
وما يُريح الدول الأخرى هو أن هناك التفافاً وطنياً حول الجيش في لبنان، وبشكل أو بآخر قد تكون هناك تلميحات لإعطاء الجيش دوراً أكبر للجيش بعيداً عن نظرية الانقلاب. ففرنسا وأميركا تثقان بالجيش في ظل انعدام الثقة بالأحزاب، وهناك ثناء كبير على إدارته للمنح الدولية خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت. ولذلك، فإن الدول لن ترى في غير الجيش أي مؤسسة منظمة يمكنها ضبط الوضع في هذه المرحلة تمهيداً لمرحلة جديدة تعالج فيها الاوضاع السياسية والاقتصادية وتكون منطلقاً هاماً لتكريس الثقة من جديد في لبنان.