درعا إذ تعود لترفع صوتها في وجه الأسد

مها غزال – صحافية سورية

تحرر الأهالي من السطوة الاقتصادية لنظام الأسد، وباتوا يعتمدون بشكل أكبر على مصادر أخرى للعيش سواء على العمل الخاص ولا سيما في القطاع الزراعي، أو الاعتماد على دعم أقاربهم من المغتربين

من جديد ومن أمام الجامع العمري، عادت درعا لترفع صوتها بوجه نظام الأسد، وترفع شعارها أن لا مستقبل للسوريين مع القاتل، في تظاهرات استمرت طوال أيام، انتهت بإحراق مركز انتخابي في درعا لتكون رسالتها الأخيرة والواضحة بعدم شرعية الانتخابات، التي  منحت الأسد فرصة رئاسية رابعة.

تعيش درعا وضعاً معقداً للغاية منذ عام 2018، أي منذ اتفاق التسوية بين فصائل الجيش الحر المقاتلة في درعا وبين نظام الأسد بدعم روسيا، وكفلت الأخيرة تخفيف القبضة الأمنية في المحافظة والإفراج عن المعتقلين، مع سحب قسم من السلاح الثقيل الموجود بيد الفصائل وبقاء بعضه بيد ما عرف بـ”فصائل التسوية”، ونصت بنود الاتفاق على تسليم المعابر الحدودية لقوات الأسد، ودخول مؤسسات الدولة إلى المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام سابقاً، وعودة الموظفين إلى أعمالهم، إضافة إلى تسوية أوضاع المسلحين والمطلوبين من أبناء المحافظة، وإعطاء مهلة ستة أشهر للمكلفين بالخدمة الإلزامية، كفرصة للالتحاق بها.

تنصل نظام الأسد من الوعود التي قطعها في اتفاق التسوية، واستمر بالاعتقالات، ولم يسمح بعودة الموظفين إلى أعمالهم، وتعامل بشكل فظ مع ملف المعتقلين، وتجاهل التسويات التي تم توقيعها مع أهالي درعا، ولم ترفع القبضة الأمنية عنهم، كل هذا ساهم إلى حد كبير في الحفاظ على البركان الذي بقي يغلي تحت رماد التسوية.

ووفقاً لبنود التسوية، استطاعت درعا، أن تمنع تهجير أعداد كبيرة من سكانها، حيث لم يتم تهجير أكثر من ثلاثة آلاف شخص نحو ادلب، وعلى رغم أهمية هؤلاء الأشخاص إذ كان معظمهم من رموز وقادة الحراك الثوري في المحافظة، إلا أن وجودهم الرمزي حافظ على زخم الحراك الثوري، وساعدت في ذلك طبيعة المجتمع العشائرية وآليات التعويض السريعة التي اتخذها المجتمع لإفراز قادة ورموز جدد.

تعيش درعا وضعاً معقداً للغاية منذ عام 2018، أي منذ اتفاق التسوية بين فصائل الجيش الحر المقاتلة في درعا وبين نظام الأسد بدعم روسيا

البيروقراطية والفساد والرغبة بالانتقام من أهالي درعا، كانت بين عوامل دفعت النظام إلى تعطيل عودة الموظفين إلى أعمالهم في المؤسسات الحكومية، لكن الأمر انقلب عليه سلباً عليه، إذ تحرر الأهالي من السطوة الاقتصادية لنظام الأسد، وباتوا يعتمدون بشكل أكبر على مصادر أخرى للعيش سواء على العمل الخاص ولا سيما في القطاع الزراعي، أو الاعتماد على دعم أقاربهم من المغتربين، وشكل هذا الدعم عامل قوة، بخاصة أن أكثر من 30 في المئة من أهالي درعا مغتربون في دول الخليج وبينهم رجال أعمال نافذون يعملون على دعم أهلهم بالمال وبالعلاقات السياسية والديبلوماسية أيضاً.

ولاشك ان الاخيرة، كانت بين عوامل ساهمت بتشكيل الفيلق الخامس من جانب القوات الروسية في سوريا ليكون ذراعًا لها في الجنوب السوري بقيادة أحمد العودة، القائد السابق لاحد فصائل الجيش الحر في درعا، وانقسم اهالي درعا في الموقف من هذا التشكيل، حيث رأى فيه البعض، أنه أضعف قوة المعارضة في درعا، وقدم خدمات للروس على حساب أهالي حوران، ورأى بعض آخر، أن الفيلق الخامس شكل عنصر حماية للمدنيين من توحش وتغول نظام الأسد في المنطقة، كما أن الرواتب التي يتقاضاها جنود الفيلق، والتي تصل إلى نصف مليون دولار، تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، كما أن المهمة المعلنة للفيلق لا تناقض التوجهات العامة لأهالي المنطقة، إذ نص اتفاق الفيلق مع الروس على أنه معني بشكل مباشر بمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة “النصرة”.

 وعلى رغم أن الروس أصروا في الاتفاق، على امتناع الفيلق عن القيام بأي عمليات عسكرية ضد قوات الأسد، فإن قيادة الفيلق أكدت، أنه إذا حدثت أي مواجهة بين نظام الأسد وأهالي درعا، فإنه يقف بجانب الأهالي ضد النظام، وتكرس ذلك واقعياً مرات عدة، الأمر الذي عبر عن خروج جزئي للفيلق من اطار السيطرة الروسية، وكان آخر تعبيرات هذا الخروج، رفض الفيلق حماية المراكز الانتخابية لنظام الأسد، ما جعل الروس يوقفون صرف رواتب جنوده في الفترة الأخيرة، وهو أمر قد تكون له تداعيات خطيرة إذا لم يحله الروس بشكل سريع.

ومما لاشك فيه، أن ما حصل راهناً في علاقة الفيلق مع الروس، يتصل بواقع معارضة نظام الأسد التي اتصفت بها درعا منذ اندلاع الثورة عام 2011، ويحاول أهلها الحفاظ على هذه الروح ما أمكن، فيرفضون سوق أبنائهم للخدمة في جيش الأسد خارج المحافظة، كما أنهم يحافظون على حدود معقولة من حراك مدني، يبرز موقفه المعارض للنظام، وتندرج الموجة الأخيرة من التظاهرات في هذا السياق، وتأكيد المحتوى المدني والسلمي في مناطق سعى النظام بكل ما يملك من قوة إلى إخضاعها.

غير أن المشكلة الرئيسية لما يحدث في درعا من حراك وتحركات، تكمن في أنه مفصول عن بقية المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، ولا يحظى باهتمام جدي من جماعات المعارضة، التي تعاني من ضعف شديد، وتخصص ما تبقى من طاقتها المحدودة للاهتمام بمناطق الشمال الغربي، التي تشهد صراعات بين أطراف تجسد سلطات الأمر الواقع الموزعة عملياً بين “هيئة تحرير الشام” وفصائل مسلحة مقربة من تركيا، وهي موضع الاهتمام الأول بالنسبة إلى القوى المتدخلة والمتابعة للقضية السورية، وكلها حيثيات تحتم على اطراف المعارضة ومناصري القضية السورية الاهتمام أكثر بأوضاع درعا وما يحصل فيها، لتأكيد صورة أقرب إلى الحقيقة المعروفة عن ثورة السوريين، التي لا تتصل بالتطرف والتشدد والجماعات الإرهابية.

Exit mobile version