حازم الأمين – صحافي وكاتب لبناني
الخراب يأتي إلينا من كل حدب وصوب، ونحن إذ نعيش في جمهورية ميشال عون، فنحن مرشحون كل يوم للمزيد منه.
لا شيء يمكن أن يجسّد الجشع على نحو ما تجسده الطبقة السياسية في لبنان، بدءاً من رئيس الجمهورية ووصولاً إلى حاكم المصرف المركزي، ومروراً برؤساء المجلس النيابي والحكومة والمقاومة وسلاحها. لقد استنفدنا الشرح والتفسير والتحليل والتقصي، ولم يبق أمامنا سوى الشتائم، لعلها تمسكنا عما هو أفدح منها.
مجلس شورى الدولة أفتى بعدم قانونية سعر دولار المنصة الذي حدده مصرف لبنان، أي 3900 ليرة للدولار الواحد، فتلقف رياض سلامة القرار وأعلن العودة إلى دولار إلى 1500 ليرة! في هذا الوقت كان رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت يعلن أن من يريد السفر من اللبنانيين عليه أن يدفع ثمن بطاقة السفر بسعر السوق السوداء، أي 13000 ليرة للدولار الواحد، ذاك أن بحوزة اللبنانيين الراغبين بالسفر، كما قال دولارات في منازلهم. الجشع هنا مشفوع بوقاحة قل نظيرها، وكان سبقه إليها مديره رياض سلامة، عندما قال إن في منازل اللبنانيين أكثر من 7 مليارات دولار “كاش”! قالها متحسراً على عدم قدرته على الوصول إليها، ويبدو أنه أدرك أن أحد سبله للوصول إليها هو تذاكر السفر، لا سيما أن اللبنانيين يهمون جميعهم للهرب من وجهه القبيح!
اليوم عدنا إلى دولار الـ1500 ليرة، أي أن الحاكم اقتطع من قيمة الودائع ما يوازي 90 في المئة من قيمتها. قبل هذه العودة كانت قيمة الاقتطاع نحو 70 في المئة، لكن الطبقة السياسية التي تتقاطع مصالحها في مكتب الحاكم، شعرت بأن بإمكانها ابتلاع المزيد، ذاك أنها مقبلة على أيام صعبة، فدعم المواد الغذائية والدوائية في طريقه إلى أن يتوقف، وتخيلوا يا سادة يا مواطنون أن الوزير السابق والنائب الحالي ياسين جابر غرد أنه اضطر للطلب من ابنته أن تشتري له دواءً من سويسرا بعد فقدانه في بيروت! حصل ذلك في اليوم الذي استيقظ فيه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في قصره في باريس وكتب تغريدة سأل فيها اللبنانيين أن يطمئنوه عنهم! هذا ما حصل فعلاً، و”تويتر” شاهد على ما نقول.
بالنسبة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، مستقبل صهره السياسي أهم من أن تتشكل حكومة تتولى التعامل مع الكارثة التي حلت علينا، وبالنسبة إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري كرامة الموقع السني في السلطة أهم من التصدي للجوع الآتي إلينا لا محالة. وبالنسبة إلى “حزب الله”، السلاح أهم من لبنان ولا بأس بالعقوبات وبالحصار طالما أنهما يجعلاننا صنو ايران المعاقبة وظهير نظام دمشق. وعند هذا الاختناق ارتأى الجميع أن رياض سلامة خير ممثلٍ لهذه التقاطعات، فالرجل بذل ماء وجهه في الهندسات المالية التي صممت على قياس دولة الفساد ودولة السلاح، وأنفق مدخرات الناس في تحويلاته المالية الشخصية التي قدر سفير أوروبي قيمتها بنحو 4 مليارات دولار. هذه التقديرات لثروة الوسيط، أما أعمدة النظام، فثرواتهم يمكن تقديرها بقيمة الإفلاس، أي ما يزيد عن مئة مليار دولار، موزعة عليهم بالتساوي بحسب الترتيب الذي يمليه التوزيع الطائفي.
الخراب يأتي إلينا من كل حدب وصوب، ونحن إذ نعيش في جمهورية ميشال عون، فنحن مرشحون كل يوم للمزيد منه. وبين انفجار المرفأ الذي هز العالم، وشحنة الكبتاغون التي سجلت رقماً تاريخياً لجهة حجمها، يختال بيننا رياض سلامة مستمتعاً بحماية “حزب الله” وبشار الأسد، ومستفيداً من جهاز قضائي معطل وفاسد وعاجز، ونهوي نحن إلى مزيد من الانهيارات، منتظرين الارتطام الكبير.