الأخبار- ميسم رزق
وسطَ ضجيج الـ«ميني حرب» السياسية بينَ الرئيس المُكلّف سعد الحريري والنائب جبران باسيل، فإن بيروت منذ أمس مشغولة بسؤال واحد: ما الذي أسقط مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، أو مَن مِن المتصارعَين أسقطها؟ وهل الحديث عن تأليف حكومة انتخابات وانتخابات مبكرة يدفع إليها الخارج حقيقيّ وقابل للتطبيق حالياً؟
سيؤلف، لن يؤلّف. سيعتذر وربما لا. هكذا فاضت التحليلات على الأزمة الحكومية، عشية انتهاء مهل الرد على المبادرة، بينما طافت البيانات المتبادلة بين «بيت الوسط» و«بعبدا» اللذين اختارا إحباط مساعي عين التينة وحارة حريك بتبادل تهم التعطيل وتأكيد كل منهما شروطه لتوزيع جزء من كعكة الحكومة، وإلا فلا تأليف.
وفي المقرات السياسية، حيث القرار، صار هناك اقتناع باستحالة تأليف حكومة لها مهمّة إصلاحية أو إنقاذية، وبدأ الحديث عن رغبة الأوروبيين والأميركيين والفاتيكان في تأليف حكومة انتخابات. على مدى الأيام الماضية، اعتبر مطلعون على أجواء الاتصالات أن المبادرة ستمثّل اختباراً للنيات والتفاهمات في شأن إمكان تذليل العقبات الموجودة، إلا أن النتيجة أتت سلبية، ويبدو أن «لا الحريري ولا باسيل يريد التأليف». إذا ما هو البديل؟
ثمة في بيروت من يعتقد أن الحل الوحيد اليوم هو الذهاب الى حكومة انتخابات، ويتحدث عنها كما لو أنها صارت أمراً واقعاً، علماً بأن ذلك أيضاً «مستحيل في الوقت الحالي». فحتى الآن «لا يزال الحريري رئيساً مكلفاً»، وهو بحسب ما نقلَ عنه مقرّبون منه «ليسَ في وارد الاعتذار نهائياً»، مشيرين إلى أنه «مكبّل بعدة اعتبارات»، منها ما أشار إليها هؤلاء، عن موقف مصري نقله وزير الخارجية سامح شكري قبلَ أسبوعين عن «عدم تأييد القاهرة لهذا الخيار، إذ لا يمكن ترك ورقة التأليف بهذه السهولة».
وبينما تداول البعض معلومات عن أن الرئيس الأسبق نجيب ميقاتي أعلنَ استعداداً لتولي حكومة كهذه، نفى المقرّبون الأمر، حتى إن «الحريري نفسه نفى ذلك، عند سماعه»، بل إن الاجتماع الذي عقدَ بينَ رؤساء الحكومات السابقين، أكد ضرورة التمسك بالتكليف. ثمّ إن أجواء رؤساء الحكومات السابقين، ومعهم المؤسسات الدينية التابعة للطائفة السنية، بدأت بالتشنّج، بحيث باتَت ترى أن الاعتذار ليس سوى «تسليم بما يريده رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل، وهذا مرفوض، وبالتالي يمثّل هذا الجوّ ضغطاً على الرئيس المكلف». أمام هذه الاعتبارات، ستبقى ورقة التكليف في جيب الحريري ما يمنع تأليف أي حكومة أخرى.
ولذلك أيضاً، ارتفعت وتيرة التهديدات في الأسابيع الأخيرة باستقالات جماعية من مجلس النواب، لكونها السبيل الوحيد لفرض انتخابات نيابية مبكرة وسحب التكليف. اللافت في هذا السياق، أن الموقف الحقيقي لدى القوى السياسية من إمكان السير بخيار الانتخابات المبكرة غير واضح. فإذا كانت المشاريع المرتقبة للنواب، كتلاً أو فرادى، هي الاستقالة، فمن قال إن شيئاً سيتغير في التوازنات السياسية في البلد؟ والمفارقة أن الأكثر تضرراً من هذه الاستقالات والذهاب الى انتخابات مبكرة هما تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، فيما هما يكثران من التهديد بالاستقالة. يُضاف إل ذلك أن هذه الاستقالات لا يُمكن أن تتمّ بقرار أحادي يتّخذه كل منهما، ولكل منهما اعتبارات تتعلق بباقي القوى السياسية. حتى لو اعتبر التيار الوطني الحر أن ذلك هو السبيل الوحيد لسحب التكليف من الحريري، ولو اضطر إلى أن يعبّد طريق الاستقالة لحزب «القوات» اللبنانية، فهل يفعلها وحيداً بلا تنسيق مع حليفه الأساسي «حزب الله»؟
وعليه، يعتبر أكثر من مصدر أن «البلد فعلياً دخل جوّ الانتخابات، والكلام كله صار من باب المزايدة الانتخابية، غيرَ أن تعبيد الطريق الى حكومة انتخابات أو انتخابات مبكرة ليسَ سهلاً كما يحكى، فتعطيل المجلس النيابي بالاستقالات، من دون ضمان حصول انتخابات، لا يمكن المغامرة به، لأن البلاد ستدخل حينها في الفراغ الكامل».