اندريه قصاص-لبنان24
على وقع “حرب البيانات” بين “بعبدا” و”ميرنا الشالوحي” من جهة، و”بيت الوسط” من جهة ثانية، عاش اللبنانيون أمس أبشع لحظات حياتهم، بالطبع بعد إنفجار المرفأ، إذ إصطفوا طوابير طويلة أمام المصارف علّهم يستطيعون سحب القليل من أموالهم المودعة في المصارف على أساس سعر صرف الدولا 3900، قبل أن يعود إلى عتبة الـ 1500 ليرة.
وفي هذا الوقت المفصلي إضطر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إطفاء محركاته، بعدما كان أدارها بأسلوب مختلف هذه المرة لإخراج الحكومة من “عنق الزجاجة”، بعدما تلقى دعما علنيًا وواضحًا من السيد حسن نصرالله الذي وضع الرئيسين عون والحريري أمام حلين لا ثالث لهما: إما الجلوس والتفاهم معًا على التسوية، أو التعامل بشكل جدي ومنطقي مع مسعى أخير يتولاه الرئيس بري، ومع مبادرة تعيد تدوير الزوايا لتمرير حكومة من 24 وزيرًا لا ثلث معطلا فيها لأحد، مع مرونة في تسمية الوزراء المسيحيين ومراعاة صيغة جديدة في تسمية وزيرين مسيحيين لوزارتي الداخلية والعدل، وقد رفض البطريرك الراعي خلال لقائه رئيس الجمهورية، تسمية هذين الوزيرين المسيحيين، على خلاف ما اشيع سابقًا.
إلاّ أن تأجيج نار البيانات العالية السقف وتبادل الاتهامات بالتعطيل أحبط الفرصة الأخيرة للنجاح بعدما قدم بري “هدية مجانية” ونقاطًا سياسية للحريري في جلسة “الرسالة الرئاسية” على حساب عون. إلا أن ما حصل في الساعات الـ 24 ساعة الأخيرة، وما كشفته البيانات من نوايا لم تعد مخفية جعلت من مهمة الرئيس بري شبه مستحيلة، وبدا أن أزمة الحكومة أكبر من الجميع، على رغم المحاولات المبذولة، وآخرها ما حمله البطريرك الراعي معه من حلول إلى القصر الجمهوري، وذلك في ظل أزمة شاملة أكبر من الجميع وخرجت عن السيطرة.
فبعد كل هذا الإنهيار والأبواب الموصدة لم يعد مهما البحث في أسباب الأزمة الحكومية، إذ أن ثمة أزمة ثقة عميقة يصعب ترميمها بين عون والحريري، وقد تشمل هذه الأزمة الجميع، وذلك بسبب تداخل الإشتباك السياسي بين الملفين الحكومي والرئاسي، فضلًا عن تشابك بين العناصر الداخلية والإقليمية.
بعيدا عن كل هذه التفاصيل وبمعزل عنها، من الواضح أن هناك قناعة ثابتة باستحالة الحل لدى طرفي النزاع، سواء من جهة الحريري الذي يعتبر أن عون لا يريده رئيسا للحكومة في ما تبقّى من عهده، أو من جهة باسيل الذي يجزم بأن الحريري لا يريد أن يشكل حكومة، أو أنه لا يقدر على التأليف ويتهيّب الموقف ويفتعل الحجج والذرائع، فيما النتيجة العملية لهذا الوضع أن لا حكومة برئاسة الحريري في عهد عون، وأن حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب مستمرة حتى إشعار آخر، وأن ثمة حكومة انتخابات تلوح في الأفق من دون أن يكون إجراء الإنتخابات محسوما ومضمونا.
إنها مرحلة تساقط المبادرات الكبيرة والصغيرة، من المبادرة الفرنسية الى مبادرة بري. إنها مرحلة الدوران في الدوامة والحلقة المفرغة. إنها مرحلة الفراغ الشامل في كل شيء: لا حكومة، لا إعتذار، لا إستقالات نيابية، لا طاولة حوار، لا رفع كاملا للدعم، لا بطاقة تمويلية، لا انتخابات مبكرة، وربما لا انتخابات في موعدها، إنما عودة إلى سعر صرف الدولار بسعر 1500 ليرة.
فهل يوفق البطريرك الراعي في مسعاه الجديد، قبل أن يتوجه إلى الفاتيكان، وهل يمكن إعتبار أن طرح حكومة أقطاب هو بداية حلحلة أم أن ثمة وراء الأكمة ما وراءها قد تطيح أيضًا بهذه المبادرة، إنطلاقًا من قناعة راسخة لدى باسيل بأن وجود الحريري على رأس حكومة آخر عهد عون تعني بداية النهاية ل” الحياة السياسية “لرئيس “التيار الوطني الحر” ، أو بمعنى أوضح سقوط آخر أمل له برئاسة الجمهورية.