نارام سرجون
لا أدل على ان الأباء هم آباء حقيقيون سوى انهم يخشون على أبنائهم .. ويضحون من أجلهم حتى الموت .. والارض كذلك لايملك جيناتها الا أباؤها الحقيقيون فيخافون عليها من العطش ومن الغرق ومن الحر ومن القر .. ويعاملونها كانها ولد .. وهذا هو الفرق بين الطارئ والاصيل .. ولذلك ترى ان الفلسطينيين يموتون وليس بيدهم الا حجارة وسكاكين ولحم قلوبهم فيما ان اي حرب تكلف الاسرائيليين دما كثيرا تعتبر كارثة ولا يتردد الاسرائيلي في ان يحزم حقائبه فورا ويغادر .. وهذا هو سبب التشاؤم في المجتمع الاسرائيلي من اصرار قوى المقاومة على نشر فكرة التضحية والقتال التي لانهاية لها الا في قلب القدس ..فيما ليس لدى الاسرائيلي هذه القدرة على البذل .. ومن هنا تجد ان الاسرائيلي استأجر من لديه القدرة على البذل والموت نيابة عنه وهو تنظيمات القاعدة والاخوان المسلمين وداعش .. وقاتل معهم من الجو وعبر الدعم اللوجستي والاستخباري والاعلامي .. ولكنه لم يمت معهم .. فنجح لفترة قبل ان يعود الى المربع الاول .. أي ان عليه هو ان يدافع ويدفع ثمن الارض التي يحتلها دما لان الطرف الاخر المقاوم لديه كل الاستعداد للموت وبذل الدم في سبيل ارضه..
الاسرائيليون لايملكون الارض بل يرون فيها مشاريع استثمار ولذلك فانهم عندما يتقدمون لايكترثون بالخراب والتدمير الذي يلحقونه بها فهي في النهاية ليست لهم ..
والاتراك يعيشون نفس العقيدة .. فأرض الخلافة هي ارض اللبن والعسل والعبيد وشباب السخرة والسفربرلك .. والكل يموت من أجل السلطنة العثمانية وليس من أجل الارض .. ولذلك فان هزيمتهم في الحرب العالمية الاولى لم تكن بسبب طعنة العرب كما يقولون بل لأن القوات التركية التي كانت تقاتل كانت تقاتل عن أرض ليست لها .. وليست مستعدة للموت من أجلها .. وهو نفس السبب الذي جعلهم يتراجعون من سورية امام قوات ابراهيم باشا المصرية قبل عقود..
التركي لم يقاتل بشراسة الا عندما كان يدافع عن أرضه في الاناضول حيث لم يكن هناك عرب يقاتلون عنهم او شباب السفربرلك يموتون نيابة عنهم كالذباب .. وكل ما كان يقوله اردوغان انه سيدخل سورية ويصلي في الجامع الاموي كان مبنيا على ان غيره من العرب هو من سيقاتل وسيموت وهو سيأتي ليصلي منتصرا بدمهم .. ولم يكن اي تركي مستعدا للموت على اسوار دمشق للصلاة في الجامع الاموي .. وهذا من الاسرار التي تعاملت معها القيادة السورية .. اذ ادركت ان التركي لن يدخل في لعبة الموت .. بل سيكون في الصفوف الخلفية حيث يموت من في المقدمة ويقطف التركي النصر من المؤخرة .. والتركي سيدفع كل مايملك الا الدم التركي .. وهذا ماحدث في ليبيا وناغورنو كاراباخ .. فجميع من ماتوا لم يكونوا اتراكا .. بل مرتزقة عرب وسوريون ..
واليوم في ادلب رغم انه يستعرض عضلاته وعساكره لكنه في اي معركة يتعرض فيها للخسائر سينسحب وسيركز في قتاله على دفع المرتزقة الى المحرقة حيث يبذل دمهم من أجله .. وكلنا نعرف انه في الاحتكاكات الماضية وجهت له ضربات عنيفة قتلت العشرات من جنوده فجن جنونه وطار الى موسكو وطلب التدخل السريع بحجة انه لايريد قتال روسيا .. ولكن الحقيقة هي انه يعرف ان الاتراك سيشنقونه اذا مات أبناؤهم خارج تركيا من أجل العرب الذين يعتبرون انهم طعنوهم في الحرب العالمية..
ورغم قوة الجيش التركي الا ان نقطة ضعفه هي في ضعف القدرة على الموت خارج أرضه .. فالاتراك رغم نزعتهم الطورانية الا انهم يدركون ان امبراطوريتهم هي أراض مسروقة وعليها قوميات اخرى تملكها .. وهم لايمانعون في استردادها ولكن دون بذل دم تركي .. وهذا سيكون من العوامل التي ستسمح بانهاء ملف ادلب الذي يخضع لمساومات ومفاوضات معقدة .. اذا لم تنته فسيتم انهاؤه عسكريا .. وهو مايريد اردوغان تجنبه خاصة في ظل انهيار الليرة التركية .. وتفاقم الازمات الداخلية ..
المهم مايفعله اردوغان في مياه الفرات يعكس العقلية التي يعامل بها التركي أرض الخلافة .. فبالرغم من انه يعتبر نفسه وليا على المسلمين وخاصة في سورية والعراق وفق الميثاق الملي المستمد من الخرافة العثمانية الذي يشبه ميثاق شعب الله المختار المشتق من الخرافة التوراتية .. بالرغم من انه يعتبرها ارضه والناس الذين عليها رعاياه .. فانه لم يتورع عن قطع مياه الفرات عن الارض التي يدعي انها له ولشعبه وخلافته .. ولم يكترث برعاياه ان ماتوا عطشا وجوعا .. بل فوق كل هذا فانه فتح مياه الصرف الصحي التركية على مجرى الفرات ليملأه بروث الأتراك وبولهم .. والسبب هو انه لايعتبر هذه الارض الا انها متاع وزينة لامبراطوريته ومصدرا للخراج والجنود والمتطوعين والخدم .. ولذلك فانه يخربها اذا لم تخضع له .. ويدمر فيها الحرث والنسل ..
واذا قارنا سلوكه بسلوك الاسرائيليين فاننا نجد تطابقا في السلوك تجاه الارض .. فعندما وقع الاردنيون اتفاق وادي عربة اتفقوا مع الاسرائيليين على تزويدهم بالمياه .. ففسر القانونيون الاسرائيليون الاتفاق على انه يعني اي مياه .. فقرروا توجيه مياه الصرف الصحي للمستوطنات الى انابيب مياه الشرب الاردنية .. اي زودوا الاردنيين بروثهم وبولهم .. والسبب هو انهم لايكترثون بالارض ومن عليها لانهم لايملكونها .. ولانهم لايملكونها سيقتلون من يسكن عليها .. كما هي عادة كل المستوطنين في التاريخ .. في اميريكا وفي استراليا وفي نيو زيلندة .. نفس عقلية التخلص من الاخر وتسميم ارضه كي تصبح (لنا) .. لأنها ليست لنا طالما ان فيها آخرين وسكانا ينتمون لها .. ويعملون في أرضها ويأكلون من زرعها ..
هذه هي علاقة العثمانيين بأرضنا .. اما ان يقتلونا او ان يقتلوا الارض كي نموت .. لأنها ليست لهم ولأننا لسنا جزءا منهم ..وهذا هو سبب اننا انتصرنا على المشروع العثماني الاردوغاني .. فالسبب هو اننا أصحاب الارض وننتمي لها ونحميها نموت فيها ومن أجلها .. وقد بذلنا دما لاتبذله اي امة .. وهذا هو سبب اليقين ان ادلب لن يطول بقاء أردوغان فيها وسيتم اقتلاعه بالقوة .. في فترة ليست بعيدة على الاطلاق .. وهو يحاول تتريكها بسرعة لسبب واحد هو انه يريد السكان السوريين الذين يصيرون اتراكا مرتزقة له أن يقاتلوا وأن يموتوا في الدفاع عنه،
وهو نفس السبب الذي يدعونا للثقة المطلقة ان الانفصاليين الاكراد لن يصمدوا الا ساعات في اي مواجهة معنا .. لانهم لايدافعون عن أرضهم .. بل سلوكهم هو سلوك المستوطنين والمرتزقة الطارئين .. فهم هاجروا من تركيا ولجؤوا الينا وهم يدركون ان ارضهم ليست في الشرق السوري بل في جبال شرق الاناضول .. وهناك على الجبال يجب ان يموتوا وليس على هذه الارض ..
هذه القاعدة الذهبية في العلاقة بين الارض والانسان والدم هي التي نسميها خريطة الدم وليست خريطة دم الطوائف التي صممتها المخابرات الامريكية .. فدم الارض من زمرة دمنا وليست من زمرة دم مجاهدي داعش المهاجرين .. ولذلك هزموا جميعا عندما اصطدموا بدمنا .. لأنه دم الارض .. والفرات الحبيس في سجون تركيا لن يترك حبيسا الى الابد .. وسيطلق سراحه .. ولن نسمح بقتله .. فالانهار العظيمة لاتموت لان مياهها هي دم الارض ..
الجنون الطوراني يصل مستويات هستيرية .. حتى انه صار يعبث بالطبيعة والجغرافيا والتاريخ .. وبرمز أبدي للتاريخ والجغرافيا والطبيعة كالفرات .. وانتقام الانهار والطبيعة يكون أحيانا مثل اللعنة .. ولاندري من سيحمل الى الاتراك اللعنة بيديه ..
لاشك ان الفرات سينتقم .. ولاشك ان هناك من سيساعده على الانتقام ممن ظنوا ان حدودهم تبدأ من الفرات وتصل الى النيل .. وممن ظنوا ان امبراطورياتهم يبنونها من جثة نهر الفرات ..
المصدر: نارام سرجون