«خفافيش» السلطة تتحرّك: لا إعمار… لا تهدئة… لا تبادل
رجب المدهون، الأخبار
وأزعج رامَ الله تحرّكُ الوسيط المصري للتوصّل إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد بين حركة «حماس» ودولة الاحتلال، في ظلّ تجاهل كامل لدور السلطة. وهو انزعاجٌ أسمعه عباس لوزير المخابرات المصري، عباس كامل، قبل يومين، خلال زيارة الأخير للمنطقة، حيث طلب منه الانتباه لعدم تجاوز دور رام الله، لأنه يصبّ في مصلحة تقوية موقف «حماس». كذلك، اعترض عباس على تجاهل المصريين للسلطة في عملية وقف إطلاق النار بشكل كامل، إذ لم يكن لرام الله أيّ دور فيها ــــ على عكس ما حدث في حرب عام 2014 ــــ، بل كانت تتلقّى المعلومات عبر اتصالات مع المصريين وعبر الإعلام، من غير أن يكون لها أيّ سهم في القرار.
وعلى إثر لقاءات واتصالات أجرتها السلطة مع المصريين والأردنيين خلال الأسبوع الماضي، وطلبها عدم تقوية موقف «حماس» حتى لا ترفع الأخيرة سقف مطالبها في ما يتعلّق بترتيب البيت الفلسطيني، وخاصة «منظّمة التحرير» والحكومة، أعلن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، اتفاق مصر والأردن على دعم السلطة الفلسطينية، ملمّحاً إلى أن تقوية السلطة تهدف إلى إيجاد أفق سياسي يسمح باستئناف المسار التفاوضي وفق مقرّرات «الشرعية الدولية» ذات الصلة، وعلى أساس «حلّ الدولتين»، وصولاً إلى «إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».
وحسبما علمت «الأخبار» من مصادر في السلطة، فقد اتفق المصريون مع عباس على الضغط على «حماس»، وإبلاغها أن الإعمار لن يتمّ من دون مسؤولية السلطة وإشرافها، والتذرع بأن ذلك شرط من شروط الولايات المتحدة والأوروبيين والدول العربية. ومن أجل تعزيز موقف رام الله، سيكون على المصريين طرح وجود السلطة كمكوّن أساسي ضمن الوفد الفلسطيني الذي سيبحث إبرام اتفاق تهدئة طويل الأمد بين المقاومة ودولة الاحتلال، بالإضافة إلى دعم توجّه عباس لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها «حماس» وتكون مقبولة لدى «الرباعية الدولية»، والتهديد بأنه من دون قبول هذه الاشتراطات لن يتمّ الإعمار، ولن يتحقّق أيّ تقدّم في ملفّات غزة. من جهة أخرى، تُراهن السلطة على عامل الوقت لإجبار «حماس» على التراجع عن مواقفها، إذ يقدّر جهاز مخابرات السلطة، الذي يقوده ماجد فرج، أنه بعد شهور ستتفاقم معاناة العزّيين بسبب تباطؤ عملية الإعمار والفقر والبطالة وتشديد الحصار، وهو ما سيشكّل ضغطاً كبيراً على «حماس».
وتجد السلطة أن موقفها في غاية الضعف تجاه قطاع غزة، وأن الضغط الذي تمارسه لتمرّ عملية الإعمار عبرها يصطدم بمواقف شعبية وفصائلية في القطاع، من بينها موقف «اتحاد المقاولين الفلسطينيين» الذي أعلن رفضه تسلّم رام الله ملفّ الإعمار، والعودة إلى الآلية السابقة نفسها بعد عدوان 2014، والتي أخّرت العملية لسبع سنوات (كان يفترض أن تستغرق عامين). وهو موقف أزعج رام الله بشكل كبير، إلى حدّ تلقّي «اتحاد المقاولين» تهديدات من شخصيات كبيرة في السلطة للتراجع عن تصريحه، ودعم توجّه تسلّم السلطة لأموال الإعمار، وعدم المشاركة في «المجلس الوطني لإعمار غزة» الذي يتكوّن من ثلاثة أطراف، هي: حكومة غزة، القطاع الخاص والمجتمع المدني. وإلى جانب تلك المواقف، كان موقف «الجبهة الشعبية» الأكثر إزعاجاً للسلطة، بعد دعوتها أمام عباس كامل إلى تشكيل لجنة وطنية عليا للإعمار، تشارك فيها كل القطاعات والوزارات المعنيّة، على قاعدة الشراكة ورفض الابتزاز من العدو و»المجتمع الدولي»، وعدم العودة إلى آليات روبرت سيري، التي قَيّدت عملية الإعمار وأعاقتها.
وفي خطوة لإعادة تثبيت مكانة السلطة، ومحاولة التوصّل إلى قاعدة مشتركة بينها وبين الفصائل في غزة، دعت مصر إلى عقد لقاء على مستوى الأمناء العامين لفصائل المقاومة في القاهرة الأسبوع المقبل، للاتفاق على الخطوات اللازمة لإنهاء الانقسام، ووضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة، بحسب إعلان التلفزيون المصري الرسمي. وقبيل الذهاب إلى القاهرة، تُجمع الفصائل على رفض تأخير ترتيب البيت الفلسطيني، والتذرع بقضايا جانبية من قِبَل الرئيس عباس. كما تُجمع على ضرورة ترتيب وضع «منظّمة التحرير» بالتزامن مع تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس «وثيقة الوفاق الوطني»، محذرة من أن عدم تجاوب السلطة مع هذه المطالب يستوجب تجاوز دور عباس، ومنع رام الله من تولّي أيّ أدوار في إعادة إعمار القطاع. في الإطار نفسه، قال ممثّل الاتحاد الأوروبي في فلسطين، سفين كون فون بورغسدورف، خلال زيارته لغزة، إن الاتحاد لا يضع شروطاً لإعادة إعمار القطاع، إلا أن لديه مطالبة بعدد من الخطوات، أبرزها توحيد القيادة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة على أسس «ديموقراطية».