يوماً بعد يوم، تتطوّر الجهود المصرية بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، لتَرفع القاهرة مستوى وساطتها من الوفد الأمني إلى وزير المخابرات عباس كامل. وفي وقت تُجدّد فيه المقاومة إصرارها على فصل الملفّات السياسية عن القضايا الإنسانية وملفّ الجنود الأسرى الذي يضعه الاحتلال عقبة أمام تقدّم المباحثات، تُواصل السلطة، على الهامش، سعيها إلى استعادة دورها الذي همّشته الحرب الأخيرة، عبر بوّابة إعادة الإعمار.
وإلى جانب ملفّ الأسرى، علمت “الأخبار”، من مصادر فصائلية فلسطينية، أن ثمّة وحدة موقف كاملة بين الفصائل في غزة في ما يتعلّق بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، في ظلّ استمرار تملّص رئيس السلطة، محمود عباس، من هذا الاستحقاق، بعد إلغائه الانتخابات الشهر الماضي. وفي السياق، تعكف الفصائل على إعداد رؤية شاملة تستهدف إعادة إحياء “منظّمة التحرير”، وجعلها مُمثّلة لجميع الفصائل الفلسطينية، عبر إجراء انتخابات أو توافقات على إعادة تشكيل مجلسها الوطني وبرنامجها السياسي. وتطرح الفصائل، التي ستلبّي دعوة مصرية الأسبوع المقبل لعقد اجتماعات للأمناء العامين في القاهرة، وإجراء انتخابات للمجلس الوطني كخطوة أولى خلال شهرين في الداخل والخارج وحيث أمكن، بالإضافة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق “وثيقة الوفاق الوطني” ــــ بخلاف ما يطرحه عباس من أن تكون الحكومة ملتزمة بشروط “الرباعية الدولية” ــــ، وأن لا يتمّ السماح لحكومة حركة “فتح” في الضفة بأن يكون لها أيّ دور في الإعمار في حال رفض عباس للمطلب المتقدّم، وأن تتمّ عملية الإعمار، بالدرجة الأولى، عبر لجنة حكومية من قطاع غزة، وبمشاركة مؤسّسات المجتمع المدني والمؤسّسات الدولية. وطوال الأسبوع الماضي، واصل محمد اشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني في الضفة الغربية لقاءاته مع مسؤولين دوليين، بهدف تثبيت دور للسلطة في عملية الإعمار. وفي الإطار نفسه، سيقوم إشتية، الأسبوع الحالي، بجولة على ثلاث دول خليجية ترمي إلى جعل المساعدات المنوي تقديمها لغزة تمرّ عبر السلطة حصراً، وهو ما ترفضه الفصائل ومؤسّسات المجتمع المدني التي تتّهم رام الله بتعمّد تأخير عمليات الإعمار، كجزء من العقوبات على القطاع.
وفي الوقت الذي تحاول فيه السلطة ورئيسها استعادة مكانتهما التي هُمّشت خلال معركة “سيف القدس”، عَبْر المصريين الذين يحملون رؤية الإدارة الأميركية القائمة على تجديد شرعية عباس من دون انتخابات، واستغلال بوابة الإعمار للضغط على المقاومة، أطلق أكاديميون ومثقّفون وشخصيات فلسطينية عامّة حملة للمطالبة باستقالة أو إقالة “أبو مازن” من مناصبه القيادية كافة، ومساندة الحملة الوطنية لإعادة بناء “منظّمة التحرير”، وانتخاب قيادة بديلة للشعب الفلسطيني. وعلّل القائمون على الحملة مطالبهم بأن عباس تسبّب على مدار ثلاثة عقود بتراجع قضية فلسطين، وتآكل الحقوق الفلسطينية، بالإضافة إلى استمراره في التمسّك بإعلان العداء للمقاومة والانتفاضة، وغيابه المُخجل عن انتفاضة القدس الأخيرة، وتجميده وإفشاله لحركة “فتح”، وشلّ فاعلية مؤسّساتها التنظيمية، بالإضافة إلى “منظّمة التحرير”. وانتقد الأكاديميون والمثقفون، الذين تقدّمهم عضو المجلس الوطني سلمان أبو ستة، والخبير في القانون الدولي أنيس فوزي القاسم، تحويل عباس عملية أوسلو المرحلية ومقامرتها الخطِرة إلى نظام دائم، يقوم في جوهره على تقديم خدمات أمنية للمحتلّ، وتحويله السلطة الفلسطينية إلى مؤسّسة دكتاتورية يحكمها فرد واحد، وقوانينها تَصدُر وفق مزاجه الخاص، تحت مُسمّى مراسيم رئاسية، من دون أيّ رقابة أو محاسبة.
وفيما من المتوقّع أن تصل، خلال الأسبوع الجاري، وفود من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى غزة، لعقد سلسلة لقاءات واجتماعات، والاطّلاع على الأوضاع في القطاع، أبلغت سلطات الاحتلال شركة الكهرباء الفلسطينية في غزة، بإصلاح خمسة خطوط تضرّرت خلال العدوان، ما سيؤدّي إلى استعادة القطاع أكثر من 50 ميغاوات، ويُحسّن بالتالي وضع الكهرباء. وجاءت هذه الخطوة بعد ساعات من تهديد عدد من بلديات غزة بأنها ستضخّ مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى شواطئ البحر شمال القطاع، نتيجة استمرار أزمة الكهرباء وتأخّر الاحتلال في إصلاح خطوطها. ميدانياً، وفي تطوّر لافت منذ وقف إطلاق النار، أعلن جيش الاحتلال، في ساعة متأخّرة من مساء أمس، قتْل فلسطيني كان يحمل سكّيناً، تسلّل من غزة باتجاه منطقة أشكول قرب معبر كرم أبو سالم، ضمن مستوطنات غلاف غزة، وذلك بعد وقت من الطلب إلى المستوطنين التزام منازلهم.