رغم مرور ستة اشهر على تسلمه الرئاسة لم يظهر الرئيس الامريكي بايدن حتى الان معالم سياسته الخارجية ، ما خلى بعض المواقف العامة الروتينية التي لا تقترن بمواقف تعبر عن مشروعه وأجندته وادارته السياسية كما كان حال الرؤساء السابقين ..
ربما لذلك تفسيرات عديدة منها ان الرئيس الامريكي الحالي ورث اثقال وأعباء ترامب الذي قام خلال اربع سنوات بقلب السياسات الامريكية بالعالم رأسا على عقب ممعناً بالاستخفاف بشركائه وخصومه الدوليين على حد سواء ..
لكن حتى الان لم يظهر لدى سيد البيت الأبيض الحالي اَي تحول او تطور يشي بتصحيح او إلغاء قرارات وسياسات ترامب الخارجية مع اوروبا وإيران وروسيا والصين والكثير من الملفات التي ادخلها ترامب بتشعبات وتعقيدات على اكثر من جهة ومستوى ..
صحيح ان بايدن يبدي بكلامه القليل انه عازم على تصحيح العلاقة مع اوروبا وإعادة التفاوض مع ايران؟ الا ان ذلك حتى الان لم يتخطى مرحلة جس النبض دون اَي تحول حثي ، بل مجرد افكار واتصالات باردة ..
ولعل الأكثر وضوحاً بسياسة الرئيس الامريكي الحالي ، هو عودة تاثير وحضور الإخوان المسلمين بالمنطقة ،وهذا مرده بان بايدن كان شريكا لاوباما بتعويم سياسة حكم الإخوان بالمنطقة بمرحلة ما سمي بالربيع العربي ، وعودة هذا الدور تبدو جلية بتحسن العلاقة بين واشنطن وأنقرة وانكفاء السعودية والإمارات ومصر عن مواجهة قطر وتطور التواصل والاتصال معها ،حتى ان هذا الامر أنسحب على الحرب الاخيرة بين غزة وإسرائيل والتي وجدت الاخيرة خلالها تطور وتحول ملموس لمصلحة حماس سياسيا ودوليا لم يكن متوفر بعهد ترامب وحتى بحرب ٢٠١٤ بعهد اوباما ..
اما تاثير عودة حضور الإخوان على ملفات المنطقة فيمكن تقسيمها على الشكل التالي ، بخصوص ايران لن يكون الامر عائق بعودة الاتفاق النووي معها لانها على علاقة جيدة مع الإخوانو لم تشهد سابقا اَي قطيعة بل بأسواء الأحوال ربط نزاع حصل بمرحلة الحرب السورية ..
القسم الاخر يتعلق بدول الخليج خصوصا السعودية والإمارات الذين يجتمعان على العداء للإخوان وليس الخصومة ، وهم يدركون عودة حضورهم من خلال وصول بايدن الى البيت الأبيض ، ويتعاملون مع هذا الامر بخلط أوراقهم بالمنطقة اولا عبر انهاء الحرب على اليمن وعقد تسوية مع الحوثي على حساب الإخوان هناك، ثانيا عودة التواصل مع بشار الاسد والاستعداد لدعمه سياسيا واقتصاديا لمنع عودة الإخوان الى المشهد السوري ، ثالثا تخفيض التوتر السياسي مع طهران ومن ثم تطوير الاتصالات الحالية معها الى حوار علني وعودة العلاقات معها على كافة المستويات،
اما الدور المصري يبدو هو ايضا يتعامل بجدية عالية مع احتمال عودة الإخوان لمشهد المنطقة وبهذا السياق عزز الرئيس السيسي تواصله مع دمشق مستعجلا عودتها الى الجامعة العربية ، الامر نفسه إنسحب على ايران خصوصا حول غزة والتي أظهرت المعركة الاخيرة اتصالات وتنسيق بين القاهرة وطهران لم يسبق ان حصل منذ قيام الثورة وسقوط الشاه ،وبهذا السياق يتقاطع السيسي مع ايران على تحييد. حماس عن سياسة الإخوان بالمنطقة بمقابل ان تحظى بدعم القاهرة على حساب تل ابيب خصوصا بمسألة تخفيف الحصار عن القطاع من جهة معبر رفح وإعادة فتح وتعزيز حضور مكاتب وتمثيل الحركة بالقاهرة ودمشق ،هذا التحول المصري ليس فقط محصورا بمنع عودة حضور الإخوان بمصر من بوابة غزة بل ايضا يدخل بسياق التباين المصري الاسرائيلي ألذي تفاقم بشكل علني بحادثة جنوح الباخرة العملاقة ” ايفر غيفن ” التي أقفلت قناةالسويس لايام وشكوك اقرب الى ضلوع تل ابيب بالحادثة من اجل تعويم ” قناة بن غوريون”بديلة عن قناة السويس ..
امام كل هذه التحولات لا يزال الغموض يلف سياسة بايدن اتجاه مستقبل المنطقة وقد يكرر ساسة اسلافه الديمقراطيين بما يعرف بسياسة الاحتواء التي تنشر الفوضى الداخلية بدول المنطقة كما كان الحال بعهد اوباما كخيار بديل عن التدخل العسكري الامريكي والعقوبات الاقتصادية القصوى ..
وعليه يبقى القاسم المشترك بعودة حضور الإخوان المسلمين الى المنطقة هو سوريا ومصير الرئيس الاسد الذي لا يريد بايدن وتركيا وقطر بقائه بالمقابل تتقاطع ايران ومصر والعراق والسعودية والأردن والجزائر على بقائه مع دعم صيني لذلك ومرونة فرنسية وأوروبية وصمت روسي ينتظر المنازلة المباشرة مع بايدن ليبني على الشيء مقتضاه ..
#للحديث _تتمة
عباس المعلم /كاتب سياسي