تثير معارضة بعض أصحاب الرساميل الكبيرة لقانون “الكابيتال كونترول”، الريبة من إمكانية استمرار عمليات التحويل الإستنسابية إلى الخارج. والبعض يذهب أبعد من ذلك متيقناً أن قسماً من المصارف يفاوض كبار المودعين على تسديد نسبة من ودائعهم قد تتراوح بين 30 و40 في المئة بالدولار النقدي مقابل إقفال الحساب. وبذلك تكون المصارف تستخدم فائض دولاراتها في تخفيض ديونها. فـ”يزمط” البعض من خروم غياب قانون لـ”الكابيتال كونترول”، فيما تعلق الأغلبية في “شباك” السحب على سعر صرف 3900.
لن يحل المشكلة!
لا ينكر الخبير المصرفي والإقتصادي محمد فحيلي أن “الكابيتال كونترول” سيفضح بعض المصارف العاجزة عن الإلتزام باستثناءاته المتعلقة بتمويل السحوبات بالنقد الأجنبي، وسيُحرج السلطة السياسية والنقدية ويجبرها على اتخاذ القرار بتصفيته. كما أنه يعتبر أن “المصارف لا تزال لغاية اليوم تملك سيولة بالدولار تتراوح بين 4 و5 مليارات، سحبت من الفروع والصرافات الآلية بعد 17 تشرين ووضعت بالتصرف تحت يد مجلس الإدارة”. إلا أنه في المقابل يرى أن قانون “الكابيتال كونترول” لن يحل أزمة “دكاكين” البنوك، ولا الإستنسابية التي ما زالت تمارسها المصارف. والدليل عجز “المركزي” عن التعامل مع المصارف التي لم تطبق التعميم 154، وغض النظر في التعميم 157 عن المصارف غير القادرة على الإلتزام بمنصة صيرفة (SAYRAFA)، حيث ألزم المصارف بالإنتساب ولم يلزمها جميعها بالتداول. كما أن المودعين في المصارف العاجزة عن تطبيق “الكابيتال كونترول” سيكونون أمام خيارين: الأول، انتظار وصول حقوقهم بعد عدد من السنوات، بحسب قدرة “المركزي” على تصفية موجودات المصرف المفلس. الثاني، أخذ الوديعة من المصرف المفلس بشيك مصرفي وفرضها على المصرف القادر، وهو ما لن يجرؤ عليه أي قانون “كابيتال كونترول”.
معالجة السيولة بالليرة والدولار
الظروف النقدية في البلد ما بين عشية 17 تشرين الأول 2019 واليوم تغيرت كثيراً. فمشكلة السيولة لم تعد محصورة بالدولار فقط بحسب فحيلي إنما بالليرة أيضاً. فـ”المصارف تضع الضوابط على السحوبات بالعملة الوطنية كما الأجنبية. وعليه إذا أردنا “إلباس” الكابيتال كونترول “ثوب” 2021 فعليه أن يعالج السيولة بالنقدي سواء كانت بالليرة أو الدولار. ومن المفروض أن يكون هناك ضغط على المصارف لفتح حسابات بالعملة الوطنية، وإعادة العمل ببطاقات الإعتماد المدينة والدائنة بالليرة بنفس الزخم الذي كان قبل الأزمة. ذلك أن التداول النقدي بالليرة يتحول إلى دولار، والدولار إما يهرب إلى سوريا وإما يخرج إلى بلدان استيراد البضائع والخدمات والعمالة الأجنبية”. من هنا لم يعد يجوز من وجهة نظر فحيلي “التعامل مع الكابيتال كونترول بنفس عقلية العام 2019. فالهدف آنذاك كان إيقاف النزيف في العملة الأجنبية خارج قطاع المنظومة المالية، فيما تطبيقه اليوم بالطريقة نفسها يعني إبراء ذمة المصارف من كل الممارسات الخاطئة طيلة الفترة الماضية وحمايتها من الدعاوى القانونية. وهو سيقف عائقاً في وجه أي محاولة للدمج أو الإستحواذ التي تعتبر أساسية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي. أما القطبة المخفية فان معظم المصارف اللبنانية هي مؤسسات عائلية وليس هناك من فرق بين المصرف والمصرفي. وإبراء ذمة المصرف يبرّئ ذمة صاحب المصرف. ولهذا السبب من الممكن أن يؤدي الكابيتال كونترول من دون خطة إقتصادية كاملة إلى إنقاذ المصرفي وليس المصرف”.
المحظورات..
الضرورات التي تحتم وجود قانون ينظم العلاقة بين المودع والمصرف في ظل هذه الأزمة الإقتصادية، يقابلها بحسب رئيس تجمع رجال الأعمال فؤاد رحمة محظورات عديدة ومنها:
– وصوله متأخراً أكثر من سنة ونصف السنة، وبعد تراجع السيولة بسبب السحوبات وسياسة الدعم.
– تطلبه مبالغ نقدية كبيرة بالعملة الأجنبية. حيث أن المودعين سيلجأون في ظل غياب الثقة إلى سحب كل المبالغ التي يحق لهم بسحبها.
– عجزه عن ضبط حالة الهلع التي ستترافق مع تطبيقه طالما لا وجود لحكومة موثوقة أو لخطة إقتصادية واضحة.
إنطلاقاً من هذه المعطيات يؤكد رحمة أن “الإعتراض على الكابيتال كونترول ليس مطلقاً، إذ ليس هناك من عاقل يرفضه، إنما على توقيته. فالقانون يجب أن يأتي بعد بدء الخطة الإقتصادية، واستكمال المفاوضات مع الدائنين واستئنافها مع صندوق النقد الدولي والمانحين الأجانب، ووصول المساعدات الدولية، وبدء الإصلاحات وتحديداً في الكهرباء وترشيد الصرف ووقف الهدر وإقفال المعابر وتطبيق القوانين الدولية ومنها 1680 و1701. ومن بعدها يقر القانون بشكل يضمن تطبيقه. لان في الحالة التي نحن فيها اليوم من المستحيل أن يطبق حتى لو أقره مجلس النواب.
فرص إقرار “الكابيتال كونترول” شبه معدومة
الإجماع من قبل العديد من الخبراء على ضرورة تزامن “الكابيتال كونترول” مع إعادة هيكلة الديون وبدء المساعدات، تقابله مخاوف بان تكون “الهجمة الشرسة” الرافضة كلياً لاقراره هي لأسباب مصلحية أكثر منها وطنية. فالمصارف على ما يظهر لديها بعض السيولة بالدولار بين يديها، وهي تنتظر تحريراً تدريجياً للتوظيفات الإلزامية قد تصل إلى 1.8 مليار دولار من مصرف لبنان بسبب تراجع الديون بنسبة 12.5 مليار دولار. كما أن وضع بعضها في المصارف المراسلة أفضل مما تدعي، خصوصاً مع ما توجب عليها من تثقيل أو رفع قيمة ودائعها في الخارج مع كل تخفيض لتصنيف لبنان السيادي منذ نهاية العام 2019. وطالما لا وجود لقانون تقييد الرساميل فبامكانها التحويل لمن تريد وساعة تريد. هذا ويؤمن غياب القانون استمرارها كـ”زومبي بنك” تسدد الودائع بالليرة اللبنانية وبـ”هيركات” تتراوح نسبته بين 33 و86 في المئة. وهذه النسبة معرضة للارتفاع أكثر مع كل انخفاض في سعر صرف الليرة.
وبالنسبة إلى تبرئة ذمتها عما مضى في حال إقرار القانون، فتشير بعض المصادر أن الذي “ضرب ضرب والذي هرب هرب” بقانون أو من دونه. “إذا تشكلت حكومة وحازت على موافقة المجتمع الدولي لا تعود هناك حاجة إلى قانون “كابيتال كونترول” بهذا المعنى الضيق”، يقول فحيلة، “فالإلتزام بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يتضمن ترتيب عمل البنوك والبدء بخطة لاعادة هيكلة الدين العام والديون المصرفية. وخصوصاً في ما يخص الجزء المحمول من البنوك وإعادة جدولته. هذه هي الإجراءات التي ستطلب، وإن كان البعض يفضل توصيفها باسم فلنطلق عليها “الكابيتال كونترول”. لغاية الآن لا يوجد منافس على الساحة النقدية لقانون “الكابيتال كونترول” إلا “التدقيق الجنائي” في مصرف لبنان. فالكل يريدهما ويطالب فيهما في الظاهر، لكنهم يجدون مئة علة لتطبيقهما. فهل العيب في الإجراءات أم في النظام المحكوم بقوة المافيا والميليشيا؟ سؤال لن تتم الإجابة عليه إلا بعد تشكيل الحكومة ومعرفة نيتها وقدرتها على الإصلاح.