روبرت فورد: الإستراتيجية الأميركية في سوريا فشلت.. وهذا بديلها
ترجمة مصطفى شلش ـ فورين افيرز
خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه، وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارًا وتكرارًا بوقف إنخراط الولايات في عملية “الهندسة الإجتماعية”، وقال إن جهود الولايات المتحدة طويلة الأمد لإعادة بناء مجتمعات ما بعد الصراع وتحقيق الاستقرار فيها كانت مضللة ومحكوم عليها بالفشل. وبشكل كبير فعل دونالد ترامب هذا، حيث خفّض عدّد القوات في العراق وأفغانستان، وقلّص تمويل الترويج للديموقراطية بنحو مليار دولار خلال فترة وجوده في المنصب.
تخلت إدارة ترامب عن سياسة “الهندسة الإجتماعية” التي تحتاج إلى نفس طويل في سوريا، وإتخذت خيار القوة العسكرية والضغط المالي لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على قبول إصلاحات دستورية وإنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال شرق البلاد. وتحت إشراف الولايات المتحدة، تطورت تلك المنطقة إلى شبه دولة بجيشها الخاص، تحت مُسمي، قوات سوريا الديموقراطية (SDF)، وبيروقراطية راسخة تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية السورية (YPG) وذراعها السياسي، حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD).
لم تكن سوريا أبدًا قضية أمن قومي أمريكية رئيسية، وكانت المصالح الأمريكية هناك دائمًا مقتصرة على منع الصراع من تهديد مصالح واشنطن الأكثر أهمية في أماكن أخرى
بعد ست سنوات وحوالي 2.6 مليار دولار، هذه الدويلة هي طفل أمريكا، نشأت تحت الحماية العسكرية الأمريكية ومحمية من الجيران المعادين. وبسبب عدم قدرتها على دعم نفسها، ستظل منطقة الحكم الذاتي معتمدة على موارد الولايات المتحدة في المستقبل المنظور. ومع ذلك، فإن الالتزام المفتوح من هذا النوع ليس ما تحتاجه الولايات المتحدة. لم تكن سوريا أبدًا قضية أمن قومي أمريكية رئيسية، وكانت المصالح الأمريكية هناك دائمًا مقتصرة على منع الصراع من تهديد مصالح واشنطن الأكثر أهمية في أماكن أخرى. السياسة الأمريكية (الترامبية) لم تفعل الكثير لتحقيق هذا الهدف المركزي. كما أنها لم تكسب الإصلاح السياسي في دمشق، ولم تعد الاستقرار للبلاد. لذا من الأفضل أن يقوم الرئيس جو بايدن بتغيير هذا المسار عبر سحب مئات الجنود الأمريكيين المنتشرين حاليًا في سوريا والاعتماد على روسيا وتركيا لاحتواء داعش.
ظاهريًا، تم تصميم الاستراتيجية الأمريكية في شمال شرق سوريا للتخلص من آخر بقايا داعش، مما يحرم التنظيم من الملاذ الآمن لشن الهجمات منه. وعلى الرغم من أن الحملة العسكرية الدولية التي استمرت لسنوات دمرت الجماعة الإرهابية إلى حد كبير، إلا أن عناصر تنظيم الدولة (داعش) المتبقين ما زالوا يشنون هجمات متفرقة منخفضة المستوى في سوريا والعراق. ومن المفترض أن يساعد الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديموقراطية، ووحدات حماية الشعب الكردية التابعة لها، على احتواء داعش بأقل قدر ممكن من المساعدة الخارجية ودون الحاجة إلى انتشار أمريكي واسع النطاق.
على الرغم من الجاذبية السياسية لهذه الاستراتيجية إلا إنها معيبة للغاية. فقد تسبب التحالف الكُردي ـ الأمريكي في تفاقم التوترات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة بين العرب والأكراد. هناك إحباط (السكان العرب) واسع النطاق من الهيمنة السياسية الكردية – التي مكنتها الولايات المتحدة – والسيطرة الكردية على حقول النفط المحلية. كما احتج السكان العرب على الفساد الإداري المزعوم لقوات سوريا الديموقراطية وعمليات مكافحة الإرهاب القاسية وممارسات التجنيد الإجباري. من جانبها، شنّت القوات الكردية هجمات بسيارات مفخخة على بلدات عربية خاضعة لسيطرة الجيش التركي. وفي مثل هذه البيئة المليئة بالتوترات العرقية والخلافات القبلية، يمكن لداعش العمل بقبول ضمني من المجتمعات المحلية وتجنيد الساخطين من صفوفهم.
استراتيجية الولايات المتحدة لها عيب آخر أكثر جوهرية يتمثل في: عدم إحتواء تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديموقراطية، بل وتعمل الجماعة الإرهابية أيضًا في منطقة تسيطر عليها بشكل فضفاض الحكومة السورية وحلفاءها، بما في ذلك روسيا وإيران، والتي تمتد ما يقرب من 200 ميل إلى الغرب من نهر الفرات. فإذا كان الهدف هو منع داعش من إعادة تشكيل نفسها أو استخدام سوريا كنقطة انطلاق لشن هجمات في أماكن أخرى، فإن حصر الانتشار الأمريكي في الربع الشرقي من البلاد لا يحل هذه المشكلة. كما أن معاقبة حكومة الأسد – برغم أنها مثيرة للاشمئزاز – تترك للحكومة السورية موارد أقل لمحاربة الجماعة المتطرفة.
كما يفتقر النهج الأمريكي الحالي إلى نهاية قابلة للتحقق. من دون غطاء دبلوماسي وعسكري أمريكي، من المرجح أن تواجه وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديموقراطية حربًا على جبهتين أو ثلاث جبهات ضد كل من تركيا والحكومة السورية، مما قد يؤدي إلى إبعاد مقاتليهما عن المعركة ضد داعش. ولمنع هذه النتيجة، مع استمرار دعم القوات الكردية، سيتعين على الولايات المتحدة البقاء في شرق سوريا إلى أجل غير مسمى. وإذا اختارت روسيا أو تركيا أو إيران أو الحكومة السورية زيادة الضغط العسكري على القوات الأمريكية أو الدولة الكردية الوليدة، فستضطر الولايات المتحدة إلى تخصيص المزيد من الموارد لحل المشكلة. كان هذا هو الحال عندما بدأت الوحدات العسكرية الروسية في مضايقة الدوريات الأمريكية في صيف عام 2020 فكان أن أرسلت القيادة المركزية الأمريكية وحدات مدرعة خفيفة جديدة للردع.
بالنظر إلى هذه العيوب في سياسة ترامب تجاه سوريا، تحتاج الإدارة الجديدة إلى نهج مختلف – نهج يقضي على داعش بنجاح دون إلزام الجيش الأمريكي بحرب أخرى إلى الأبد. وبدلاً من الحفاظ على الاستراتيجية الأمريكية الحالية، يجب على فريق بايدن، بتركيزه الجديد على الدبلوماسية، أن يعتمد بشكل أكبر على روسيا وتركيا. هذا أمر غير سار، لكن الاعتراف بمصالح هذين البلدين في سوريا قد يؤدي إلى نتائج أفضل.
روسيا ليست شريكًا مثاليًا، لكن دعمها للأسد يجعلها القوة المناسبة لتولي القتال ضد داعش. تلتزم موسكو بضمان بقاء الحكومة السورية، كما أن عودة ظهور داعش (التي يُحتمل أن تمولها حقول النفط السورية التي تم الاستيلاء عليها من قوات سوريا الديموقراطية) ستهدد الأسد بشكل خطير. للاستفادة من هذا الشريط الضيق من الأرضية المشتركة، يجب على إدارة بايدن إبرام صفقة تفوّض موسكو مهمات مكافحة داعش على جانبي نهر الفرات. وسيتطلب هذا حتمًا زيادة التواجد العسكري الروسي في شرق سوريا، وستحتاج الولايات المتحدة إلى التفاوض على انسحاب تدريجي لقواتها ووضع جدول زمني للانتقال من السيطرة الأمريكية إلى السيطرة الروسية.
ومع ذلك، فإن تسليم المسؤولية عن مكافحة داعش في شرق سوريا (إلى روسيا) لن يلغي الحاجة إلى منع الجماعة الإرهابية من استخدام سوريا كقاعدة لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة أو مصالحها. للتخفيف من هذا التهديد، يجب على الولايات المتحدة إقناع تركيا بتأمين حدودها الجنوبية. مثل موسكو، تمتلك أنقرة حوافز واضحة للتعاون. حيث شن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات إرهابية داخل تركيا أيضًا. ومع ذلك، فإن إغلاق حدود يبلغ طولها حوالي 600 ميل بالكامل سيكون أمرًا صعبًا، لذا سيتعين على واشنطن تزويد تركيا بالدعم التكنولوجي والاستخباراتي لمراقبة حركة الإرهابيين. سيتطلب مثل هذا الجهد تعاونًا مكثفًا، وكان من الصعب التعامل مع الأتراك حتى قبل أن يساعد دعم الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية، في تعزيز قوتها. لكن التعاون سيكون أسهل بمجرد أن تتوقف الولايات المتحدة عن مساعدة القوات الكردية بشكل مباشر. والهدف الأساس لتركيا هو منع هذه الجماعات من إنشاء كيان مستقل في سوريا.
يجب على بايدن تجنب مفاجأة شركاء الولايات المتحدة الأكراد بهذه الاستراتيجية الجديدة؛ ويجب على إدارته إبلاغهم في وقت مبكر بشأن الخطوات الأمريكية الوشيكة. كانت قوات سوريا الديموقراطية ووحدات حماية الشعب شريكين جيدين في القتال ضد داعش، وسيكون من الحكمة أن يواصل الروس العمل معهم بموجب ترتيب جديد. موسكو لديها خبرة في هذا المجال: أنشأ الروس، وسلحوا، ويشرفون حاليًا على “الفيلق الخامس” من المقاتلين الموالين لدمشق الذين يقومون بمهام في جميع أنحاء البلاد. بالاشتراك مع الحكومة السورية، يمكن لموسكو إنشاء “الفيلق السادس” الجديد المكون من أعضاء قوات سوريا الديموقراطية تحت القيادة الروسية.
بشكل منفصل، سيتعين على حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب التفاوض مع دمشق حول الوضع السياسي للأراضي التي يسيطرون عليها. يمكن لعلاقة حزب الاتحاد الديموقراطي الطويلة الأمد مع الحكومة السورية أن تسهل هذه العملية. في عام 2012، أبرم التنظيم اتفاقًا مع الأسد للسيطرة على المدن الشمالية الشرقية مع انسحاب الجيش السوري، ولم تتعرض مجتمعاته مطلقًا لحملات قصف حكومية مثل تلك التي استهدفت حمص وحلب وضواحي دمشق. الآن، يجب على وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديموقراطي البناء على هذا الإرث لتأمين حقوق المواطنة والملكية المتساوية لمجتمعاتهم – وهي حماية لطالما حُرم منها أكراد سوريا. على الرغم من أن مثل هذا الترتيب لن يشكل حكماً ذاتياً كاملاً في سوريا الفيدرالية، إلا أنه سيكون بمثابة تحسن كبير مقارنة بالوضع قبل الحرب.
ومع ذلك، سيكون هناك بلا شك صيحات احتجاج من السياسيين والمحللين الأمريكيين الذين يصرون على أن واشنطن مدينة لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديموقراطية بأكثر من ذلك بكثير. لكن على الرغم من المساعدة الكردية القيّمة في القتال ضد داعش، فإن الولايات المتحدة لا تدين لهذه الجماعات بمظلة عسكرية غير محددة على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين. فالمصلحة الوطنية للولايات المتحدة هي احتواء التهديدات الإرهابية، وليس ضمان شكل الحكم في شرق سوريا.
في النهاية، تحتاج إدارة بايدن إلى أن تكون واقعية بشأن قدرة الولايات المتحدة على انتزاع التنازلات السياسية في سوريا. ولطالما سعى المسؤولون الأمريكيون، بمن فيهم أنا (روبرت فورد)، إلى إصلاحات من حكومة الأسد – دون نجاح يذكر. ومن جانبها، حاولت إدارة ترامب استخدام العقوبات المالية والسيطرة على حقول النفط السورية لإجبار دمشق على تغيير سلوكها. لكن الأسد بالكاد يتزحزح، وتتفوق دمشق في توتير المفاوضات، وعطلت محادثات الأمم المتحدة في جنيف والتي علقت واشنطن آمالها عليها. بالنسبة للأسد وحلفائه، فإن الصراع هو لعبة محصلتها صفر حيث تؤدي مطالب الإصلاح أو الحكم الذاتي حتمًا إلى عدم الاستقرار أو تشكل تحديًا لسيطرتهم أو عبارة عن دعوات غير مرحب بها للمساءلة…
يزعم محللون آخرون أن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن يمنح إيران وروسيا السيطرة على سوريا. تتجاهل هذه الحجة الروابط السياسية والعسكرية بين البلدين التي استمرت لعقود طويلة مع دمشق – وهي العلاقات التي من غير المرجح أن تضعفها الضغوط الأمريكية. حافظت روسيا وسوريا على علاقة وثيقة منذ الحرب الباردة، وعمل المستشارون الروس في البلاد قبل وقت طويل من بدء الصراع الحالي في عام 2011. كما أن وجود إيران طويل الأمد: عندما كنت سفيراً للولايات المتحدة في سوريا قبل عشر سنوات، كانت الولايات المتحدة تتقاسم مبنى سكنياً مع أعضاء في الحرس الثوري الإيراني. كانت هناك منشآت عسكرية للحرس الثوري في سوريا منذ ما يقرب من 20 عامًا. الدوريات الأمريكية الصغيرة في شرق سوريا لن تغير أيًا من هذه العلاقات الثنائية، ولن تكون قادرة على منع شحنات الصواريخ الإيرانية إلى البلاد – وهو أمر تقوم به القوات الجوية الإسرائيلية بشكل فعال.
يمكن لبايدن، بالطبع، الحفاظ على استراتيجية إدارة ترامب. لكن القيام بذلك يعني إهدار مليارات الدولارات مع تفاقم التوترات الطائفية والفشل في احتواء داعش في سوريا. للولايات المتحدة أهداف محدودة في سوريا من المفترض أن تكلّف واشنطن أقل بكثير. مهما كانت الأموال التي تريد إنفاقها يجب أن تذهب إلى مشكلة اللاجئين الهائلة. لذا مِن الأفضل السماح لروسيا وتركيا بتأمين مصالحهما الوطنية من خلال تحمل عبء مكافحة داعش. في نهاية المطاف، جوهر الدبلوماسية هو العمل على حل مشاكل محددة، حتى مع شركاء بغيضين، لتحقيق أهداف محدودة ولكنها مشتركة”. (بتصرف؛ المصدر فورين أفيرز).
• ما يحصل في سوريا ليس (مجرد) انتخابات مزيفة أخرى: تداعيات حسم الحرب
فلاديمير بران, حنا روبرتس, وائل سواح, زهرة البرازي, إميل حكيم, إيما بيلز ــ معهد واشنطن ــ تكثر المشاكل والمخالفات في سوريا، حيث يترشح بشار الأسد الآن لولاية رئاسية رابعة بموجب نظام ينص على أنه يحق للرئيس بولايتين فقط، مستغلاً بذلك ثغرة دستورية أوجدها هو بنفسه. وبالنظر إلى الجوّ السائد حالياً في سوريا، يدرك العديد من المراقبين أن الانتخابات التي تجري حالياً ليست نزيهة. ومع ذلك، فهي لن تكون ذات مصداقية حتى لو كان السلام يعمّ البلاد.
“في 21 أيار/مايو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع فلاديمير بران، وحنا روبرتس، ووائل سواح، وزهرة البرازي، وإميل حكيم، وإيما بيلز. وبران هو مستشار أقدم في قسم الشرق الأوسط في “المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية”. وروبرتس هي متخصصة في شؤون الانتخابات تعمل مع نفس المؤسسة. وسواح هو باحث سياسي أقدم في منظمة المجتمع المدني “إيتانا سوريا”. والبرازي هي مديرة مشاركة لـ “برنامج التطوير القانوني السوري”. وحكيم هو زميل أقدم لشؤون أمن الشرق الأوسط في “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”. وبيلز هي مستشارة أقدم للشؤون السورية في “المعهد الأوروبي للسلام”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
• فلاديمير بران
بالنظر إلى الجوّ السائد حالياً في سوريا، يدرك العديد من المراقبين أن الانتخابات التي تجري حالياً ليست نزيهة. ومع ذلك، فهي لن تكون ذات مصداقية حتى لو كان السلام يعمّ البلاد، وقد تكون أسباب ذلك أقل وضوحاً بالنسبة لبعض المراقبين. فما الذي يجب إصلاحه على وجه التحديد، وكيف يتم ذلك؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من تقييم عدة عوامل، هي: الدستور، قوانين الانتخابات، الإطار التنظيمي، تشكيل إدارة الانتخابات، قواعد الترشح / الحملات الانتخابية، وبالطبع كيف يتم تنفيذ كل ذلك عملياً.
وأحد التعقيدات هو أن الجوانب الرئيسية لعملية الانتخابات الرئاسية في سوريا خاضعة للدستور، مما يجعل الإصلاح الانتخابي الشامل مستحيلاً من دون إصلاح الدستور. وفي الوقت نفسه، تم سن مجموعة من التدابير الإضافية خارج الإطار الدستوري لتقويض إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة – من المراسيم الرئاسية وإلى التشريعات البرلمانية والأحكام القضائية.
وتتفاقم جميع هذه المشاكل بسبب الحرب المستمرة التي تجاهلتها العملية الانتخابية الجارية على ما يبدو. وعلى الرغم من أن قانون من عام 2006 حاول تحديد الحقوق الانتخابية للنازحين داخلياً، إلا أنه لا يوجد إطار للتعامل مع التصويت لجميع اللاجئين الذين يزيد عددهم عن 5 ملايين نازح وغيرهم من السوريين الذين يعيشون في الخارج.
وتكثر المشاكل والمخالفات الإضافية، حيث يترشح بشار الأسد الآن لولاية رابعة بموجب نظام ينص على أنه يحق للرئيس بولايتين فقط، مستغلاً بذلك ثغرة دستورية أوجدها هو بنفسه. وسوف تتم إدارة الانتخابات من قبل مجلس الإدارة الذي عيّنه. وتشكّل “المحكمة الدستورية العليا” السلطة الأساسية للفصل في أي نزاع، وكان الأسد هو الذي اختار أعضاءها. وحتى مسؤولي الانتخابات المحليين يتم تعيينهم من قبل المحافظين الذين يختارهم الأسد شخصياً. وبالإضافة إلى هذا التلاعب الهيكلي المتعمّد، لم تُظهر الحكومة أي إشارة على تدريب مسؤولي الانتخابات أو إجراء عملية تسجيل الناخبين، لذلك من غير الواضح أي من السوريين يُسمح لهم بالتصويت.
وهناك قيود أخرى جعلت من الصعب للغاية على المرشحين ترشيح أنفسهم. وللتأهل لانتخابات ما، يجب أن يكون لدى المرء سجل خالي من الجنايات، وأن يحصل على خمسة وثلاثين دعماً من أعضاء البرلمان، وأن يكون مقيماً في سوريا لمدة عشر سنوات على الأقل – وهو مطلب يستبعد الشتات بأكمله. ونتيجة لذلك، لم يُسمح سوى لثلاثة فقط من أصل واحد وخمسين مرشحاً ممن تقدموا بطلبات للترشح هذا العام، دون وجود شفافية بشأن سبب رفض الثمانية والأربعين الآخرين.
• حنا روبرتس
اقتراع الشتات الذي بدأ في 20 أيار/مايو ليس جديراً بالثقة في تصميمه أو تنفيذه. فمن ناحية التصميم، يقتصر التصويت في الخارج على السفارات التي تديرها الحكومة السورية، مما يثير قضايا تتعلق باللوجستية والحماية. على سبيل المثال، ليس من المجدي لملايين السوريين الذين يعيشون في لبنان وتركيا السفر إلى عاصمة أي من البلدين والتصويت في مبنى واحد. وتفتقر العديد من الدول كلياً إلى سفارة سورية، لذا ليس أمام المهاجرين المقيمين هناك سبيل للتصويت. ويُطلب من الناخبين المؤهلين أيضاً إبراز جواز سفر ساري المفعول مع ختم خروج سوري، والذي يمتلكه عدد قليل من اللاجئين. علاوة على ذلك، يضمن الإعداد لعملية التصويت انعدام الأمن أو خصوصية البيانات، وانعدام مراقبة مستقلة أو تغطية إعلامية، وعدم وجود وسيلة لتقديم الشكاوى.
وجاء التنفيذ مع قائمة كبيرة من المشاكل أيضاً. فقد أعلنت سفارات قليلة عن المواعيد النهائية للتسجيل أو مواعيد التصويت. ففي لبنان، أُرغم العديد من الأفراد على التسجيل والتصويت. وفي تركيا، أفادت تقارير بأن بعض الأفراد مُنح العفو مقابل التصويت. وفي مناطق مختلفة، تم اكتشاف أشخاص يدلون بأصواتهم دون بطاقات هوية، ودون حبر لمنع تكرار التصويت، ويقومون بتخزين بطاقات الاقتراع بطريقة غير آمنة، وما إلى ذلك. باختصار، هذه الانتخابات هي خدعة، وأي شخص ينظر إليها بالتفصيل سيرى أنها غير ملائمة للهدف التي أُقيمت من أجله.
• وائل سواح
بما أن غالبية السوريين ليس لديهم خيار حقيقي لصالح مَنْ يدلون بأصواتهم، فقد اتحدت المعارضة داخل البلاد وخارجها ضد هذه الانتخابات بشكل لا مثيل له. ووصفها النقاد بأنها مسرح، وخدعة، ومكافأة لقاتل، بينما أكد البعض أنها تنتهك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ولن يشارك سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظة إدلب والشمال الشرقي من سوريا في هذه الانتخابات. وفي الوقت نفسه، واجه السوريون الذين يعيشون في الخارج ضغوطاً شديدة للتصويت في هذه الانتخابات حتى لو لم يرغبوا في ذلك، وكان الكثيرون خائفين للغاية من مقاطعة الانتخابات.
وكان الاختلاف الملحوظ الآخر هو محاولات النظام إضفاء نكهة غربية على الحملة الانتخابية هذا العام باستخدامه المزيد من اللوحات الإعلانية والشعارات الملونة والمقابلات التلفزيونية والميزات المماثلة. وفي الماضي، كان الجمهور المستهدف لأي حملة انتخابية هو الشعب السوري، حيث سعى النظام إلى إقناع أبنائه بأنهم “يختارون” الأسد بشكل ما. لكن الهدف هذا العام هو إقناع العالم الخارجي وتحقيق الشرعية على الساحة الدولية.
وقد يكون الأسد قادراً على ادّعاء مثل هذه الشرعية من خلال مجرد “فوزه” في الانتخابات وقيام دول مثل روسيا وإيران والصين بتأكيد النتائج. ومن شأن مثل هذه النتيجة أن تقوّض عملية الانتقال التي تقودها الأمم المتحدة وتعزز المسارات البديلة مثل عملية أستانا، مما يساعد النظام وحلفائه على التركيز بشكل أكبر على المنتديات التي يكون لموسكو رأي أكبر فيها.
• زهرة البرازي
من الواضح أن الانتخابات الحالية مزيفة، لكن بالنسبة للسوريين الذين يريدون مستقبلاً عادلاً وديمقراطياً، ما الذي يجب فعله للإعداد لانتخابات نزيهة في المرة القادمة، أي في عام 2028؟ قبل كل شيء، يجب أن تكون الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة. كما أن إنشاء عملية قابلة للتطبيق لغير المقيمين يُعَد أمراً بالغ الأهمية. وتحتاج الدول المجاورة و”المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” والمنظمات غير الحكومية إلى الانخراط في تسهيل مشاركة الناخبين السوريين في الخارج. ويمثّل الأفراد غير المسجّلين مشكلة كبيرة أيضاً – فمئات الآلاف من السوريين يفتقرون إلى التسجيل الحكومي المناسب لكنهم ما زالوا بحاجة إلى وسيلة للتصويت. وتقوم “اللجنة الدستورية السورية” بدور رئيسي في إشراك الجمهور وإيجاد مسارات قانونية لمعالجة هذه المخاوف.
باختصار، عندما تُمنح فرصة واقعية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في المستقبل، على المجتمع الدولي أن يكون مستعداً وفي جعبته حلول لجميع هذه المشاكل. وفي الوقت نفسه، يجب ألا يكون المسؤولون ساذجين بحيث يتوقعون بروز هذه الفرصة من تلقاء نفسها. فالحرب مستمرة منذ عشر سنوات، وفي هذه المرحلة يسأل الناس “حسناً، ماذا الآن؟” وقلة هم الذين يعتقدون أن هناك تغييرات سريعة في الأفق، ولكن يجب على جميع الأطراف البدء في التخطيط للمستقبل بطرق عملية ومرئية.
• أميل حكيم
توفّر الانتخابات فرصة مناسبة للدول المقتنعة أساساً بضرورة التعامل مع الأسد. وفي نظرها، قد تكون العملية الانتخابية هزلية، لكنها تحقق شيئاً ما على الأقل، وعلى الرغم من أن عملية جنيف هي أكثر شرعيةً، إلا أنها لم تحقق أي نتائج [ملموسة] لهذه الدول.
وبالتالي، ففي العديد من العواصم العربية، يشكّل التطبيع مع الأسد مسألة متى وليس إذا حدث ذلك. ولا يتعلق الأمر بالاقتصاد، بل بتنمية نفوذ [الدول] العربية في سوريا، حيث أصبحت الدول غير العربية الجهات الفاعلة الرئيسية.
وفي ظل إدارة ترامب، كانت الولايات المتحدة قادرة على منع التطبيع العربي من خلال مزيج من العقوبات والدبلوماسية، لكن واشنطن أشارت مراراً وتكراراً إلى رغبتها في الخروج من سوريا. وعلى الرغم من أن المراجعة التي تجريها إدارة بايدن في سياستها ما زالت مستمرة، إلّا أن الكثيرين يعتقدون أن الرئيس الأمريكي ينظر إلى سوريا على أنها قضية هامشية ومشتتة للانتباه، وعلى الجهات الفاعلة الأخرى حلها. ويريد أعضاء فريقه الاستمرار في الضغط على تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكنهم لا يريدون أن يكونوا المخططين الأساسيين للتسوية في سوريا. علاوة على ذلك، أدى تركيز وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين على القضايا الإنسانية إلى خلق تصور بأن الإدارة الأمريكية سوف تستبدل رأس المال السياسي من أجل تأمين أهداف إنسانية، وخاصة توسيع الوصول عبر الحدود.
كما أن تعنت الأسد أعاق التطبيع العربي مع سوريا. فـ”جامعة الدول العربية” تريد تنازلاً واحداً على الأقل من جانبه قبل إعادة عضوية سوريا في “الجامعة”، لكن الأسد لا يبدي أي ليونة على الإطلاق. وفي هذه المرحلة، يبدو التطبيع التدريجي أكثر ترجيحاً، حيث تركز الحكومات العربية على إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية والمشاريع الأقل إثارة للجدل بهدف تعزيز وجودها في سوريا.
• إيما بيلز
منذ عام 2019 على الأقل، كان واضحاً جداً أن هذه الانتخابات لن تُجرى وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254. وفي هذا الصدد، لا يوجد شيء جديد هنا – والخبر الحقيقي الوحيد هو أن دمشق لم تكلّف نفسها عناء الحفاظ على التظاهر بإجراء انتخابات حرة ونزيهة هذه المرة. وبالتالي، فإن أي حكومة أجنبية تقوم حالياً بتطبيع علاقاتها مع الأسد لا تفعل ذلك بسبب الانتخابات.
ومن منظور سياسي، أصبح السوريون في لبنان أحد أكبر الهموم. ويمكن أن يتدهور وضع اللاجئين هناك بسرعة بسبب المضايقات والاعتداءات التي يتعرض لها أولئك الذين حاولوا المشاركة في الانتخابات، سواء طوعاً أو بسبب الإكراه.
وعلى نطاق أوسع، حفزت مجموعة من المخاوف المشروعة تطبيع دول المنطقة مع الأسد، مثل احتواء إيران، والتخفيف من التزامات استضافة اللاجئين وتجنب المزيد من عدم الاستقرار والاضطرابات الناجمة عن تداعيات الأزمة السورية. ولن يتم تخفيف هذه المخاوف من خلال النهج الحالي الذي يتبناه المجتمع الدولي، والذي تضمنت نتائجه فراغاً دبلوماسياً مطولاً وانتشار اللا مبالاة/الفتور الاستراتيجي على نطاق واسع.
أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية المستقبلية، فإن الدستور السوري ينص على إجراء انتخابات أخرى في عام 2028، لكن لا يوجد سبب للتعامل مع هذا التاريخ على أنه ثابت. ويمكن تصميم إطار لانتخابات نزيهة بما يتماشى مع القرار 2254 في أقل من سبع سنوات. وعلى الرغم من أنه لا ينبغي للسلطات الدولية أن تقلل من شأن التحديات الكامنة في الوصول إلى هذا الهدف، إلا أنه لا ينبغي لها أن تتمسّك بفترات زمنية طويلة بلا داعٍ أيضاً.
أعد هذا الملخص كالفن وايلدر. وأمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء “عائلة فلورنس وروبرت كوفمان”.
• بايدن أوقف عمل شركة نفط أميركية في سوريا
المدن – نقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية عن مسؤول أميركي مطلع أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قررت أنها لن تجدد الاعفاء الذي سمح لشركة نفط أميركية مرتبطة سياسياً بالعمل في شمال شرق سوريا بموجب تعهد الرئيس السابق دونالد ترامب ب”الحفاظ على إنتاج النفط” في المنطقة.
وتحظر قواعد وزارة الخزانة الأميركية على معظم الشركات الأميركية ممارسة الأعمال التجارية في سوريا.
وكان الاعفاء لصالح شركة “دلتا كريسنت إنيرجي” صدر في نيسان/أبريل 2020، بعد أشهر من إعلان ترامب رغبته في إبقاء بعض القوات الأميركية في المنطقة الغنية بالنفط للحفاظ على السيطرة على أرباح النفط.
لم تعد رسالة ترامب “الحفاظ على إنتاج النفط” هي السياسة الخارجية للولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن، واعتبر استخدام الجيش الأميركي لتسهيل إنتاج النفط السوري غير مناسب، وفقًا للمسؤول الذي لم يكن مخولًا مناقشة القرار علناً.
وتأسست الشركة عام 2019 على يد جيمس كاين، سفير الولايات المتحدة في الدنمارك في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وجيمس ريس وهو ضابط متقاعد من قوة دلتا بالجيش، وجون دورييه جونيور وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة “غلف ساندز بتروليم” ومقرها في المملكة المتحدة.
يشار إلى أن شمال شرق سوريا هو مركز ما تبقى من صناعة النفط في سوريا. والمنطقة في حالة من الفوضى لكنها ما تزال أحد مصادر الإيرادات الرئيسية للإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد هناك.