الحكومة رهنٌ بتبدل المعادلات الخارجية

عون والحريري

غادة حلاوي-نداء الوطن

ليس بعيداً ان يكون التخبط الداخلي مرتبطاً بجلاء المشهد الإقليمي والدولي على عتبة الانتخابات الايرانية ونتائج الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة. واضح ان لا اهتمام اميركياً مباشراً بلبنان. الديبلوماسية الاميركية لا تملك توجيهات واضحة بعد بشأن تعاطيها بالملفات المتشعبة، وسفيرتها دوروثي شيا تغيب في إجازة لأسبوعين. لكن المؤشرات الاولية تشير الى وجود اختلاف في التعاطي بين الادارتين القديمة والجديدة مع لبنان. ففي عهد ترامب كانت اليد على القلب من قرار بالمواجهة اتخذه الرئيس السابق الذي فرض عقوبات اميركية على عدد من السياسيين في لبنان بتهمة الفساد. ورهناً بجلاء صورة السياسة الاميركية، يستعد البعض للتقدم بدعوى امام القضاء الاميركي احتجاجاً على هذه العقوبات لاعتقاده أن التهم التي بنيت عليها العقوبات سياسية ومعالجتها ستكون بالسياسة.

تكاد تغيب الديبلوماسية الاميركية عن ملف تشكيل الحكومة لصعوبة الإلمام بتعقيدات الوضع في لبنان.هذا ما أسرّت به السفيرة دوروثي شيا خلال جولتها الاخيرة على المسؤولين. لو استمر عهد ترامب لكانت امكانية تصاعد وتيرة المواجهة متوافرة، حتى ان بعض السياسيين كان يتخوف من تفلت الوضع الأمني فضلاً عن تضييق الطوق الاقتصادي بحجة الحرب على “حزب الله”، غير أن الادارة الحالية ليست على عجلة من أمرها ولا يظهر انها في وارد اتخاذ منحى تصعيدي تجاه لبنان، بدليل انها ولغاية اليوم لم تعلن موقفاً سلبياً تجاه تشكيل الحكومة، بينما هي تسعى الى تسهيل عملية استئناف المفاوضات البحرية على الحدود مع اسرائيل. أقله هذا ما يلمسه احد السياسيين الداعمين لخيار المقاومة الذي يرى أن الاهتمام الاميركي كما الايراني ومثله السعودي والسوري، كله ينصب على الملفات الساخنة في وقت تتسارع الاحداث وتفتح على تحولات مهمة في المنطقة، وليس آخرها الانتخابات السورية التي منحت ولاية رئاسية خامسة للرئيس بشار الاسد بينما يتقدم الحوارالسوري- السعودي ايجابياً، بدليل زيارة وزير السياحة السوري المملكة السعودية للمشاركة في مؤتمر سياحي. لم تعد المناسبة هي المهمة هنا وانما حدث الزيارة بعينه بعد انقطاع عمره من عمر اندلاع الازمة السورية. والى فلسطين التي أسست بنتائج مواجهات غزة لحقبة جديدة من التعاطي في المنطقة وأعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، وصولاً الى الاتفاق الايراني الاميركي على الملف النووي والذي صار بحكم المنجز تقريباً. فخلال اتصال المعايدة الذي تلقاه من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف ان الطرفين الاميركي والايراني باتا يتعاطيان على اساس ان الاتفاق النووي بحكم المنجز، وان التوقيع عليه رهن إنجاز الانتخابات الرئاسية الايرانية. ذلك ان الادارة الاميركية انما تفضل التوقيع على الاتفاق بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية، حرصاً على ديمومة الاتفاق وتأكيداً على جدية تنفيذه. ومرحلة ما بعد الاتفاق لن تكون شبيهة بالتي سبقت حكماً، وليس بعيداً الاعلان عن اطلاق سراح اوستن تايس الصحافي الاميركي المختفي في سوريا منذ تسعة أعوام.

غيّرت نتيجة المواجهة في غزة الوقائع وأرست معادلات جديدة لم تستطع واشنطن تجاوزها بل اضطرت الى التماهي معها بمرونة، بدليل زيارة وزير خارجيتها ومواقفه التي صبت في مصلحة الفلسطينيين. تمر المنطقة في منعطف كفيل ان يقلب الوقائع بأسرها بما فيها الوضع في لبنان باعتقاد محور المقاومة، الذي يظهر عليه الإرتياح إلى المستجدات. الجو الاميركي تبدل بينما الاوروبي لم يخرج من طور التهديدات التي لا تفي بالغرض ودوره يكاد ينعدم في الوقت الراهن.

يبدي رئيس حزب سياسي ارتياحه لمسار التحولات المقبلة وكيف ان خيار المقاومة اظهر جدواه مقابل الخيارات الاخرى، رغم الثمن الذي دفعه بعض الزعماء المسيحيين مقابل خيارهم.

فعصر اميركا الباحثة عن الصدام تبدل مع رحيل دونالد ترامب الذي كان وضع لبنان لو استمر عهده مقبلاً على المزيد من التطورات والمواجهات في السياسة والامن والاقتصاد، اما اليوم فالتوقعات معاكسة. الرهانات الاميركية السابقة في المنطقة سقطت او تحولت، والسياسة الاميركية التي يلمسها السياسيون راهناً لا تفضي الى استنتاج خيار المواجهة في لبنان لانتفاء المصلحة بذلك، بدليل ان ديبلوماسيتها لم ترس بعد على توجه واضح.

وسيكون لتغيّر المزاج الدولي والاقليمي انعكاساته في لبنان المنقسم بين فريقين، واحد يشعر بارتياح لتبدل الرياح لمصلحته والآخر يريد ان يتغاضى عن التحولات ويقلل من اهميتها ليستمر في المراهنة، وهو ما ينعكس على الأزمة السياسية ربطاً بتشكيل الحكومة.

Exit mobile version