كتب جورج شاهين في”الجمهورية”: في ظل استمرار البحث عن شكل الحكومة العتيدة وتركيبتها وطريقة تشكيلها وتوزيع حقائبها، يشهد اللبنانيون يومياً مزيداً من الانهيارات في كثير من القطاعات الحيوية، ويشارك المسؤولون في نعيها بلا اي ردّ فعل. وهو ما دفع الى الاعتقاد انّ عملية تفكيك منظّمة للدولة ومؤسساتها تجري على انقاض اوهام وسيناريوهات تحاكي المصالح الخاصة. ولذلك طرح السؤال: إذا تفكّكت الدولة من سيجمعها؟
قبل ان تنتصف السنة الجارية لم يكن صعباً إحصاء الانهيارات المتتالية في كثير من القطاعات الحيوية. فتزامناً مع تنامي الأزمة النقدية نتيجة التراجع المريع لسعر العملة الوطنية وتراجع قيمتها الشرائية الى درجة غير مسبوقة وانعكاساتها على الخزينة العامة والقطاع العام، فقد توسعت رقعتها لتشمل مختلف الخدمات العامة وعدداً من وجوه الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين على الأراضي اللبنانية. فمنذ مطلع السنة بدا واضحاً انّ ما ورثته عن سالفتها من مظاهر الأزمتين الحكومية والمالية وما تركه تفجير عنبر الفساد في المرفأ، بدأ ينعكس على مختلف القطاعات الحيوية وصولاً الى ما يهدّد السلطات الدستورية والقضائية.
وإن اراد اي مراقب الدخول في كثير من التفاصيل، لا يسعه سوى التوسع في اتجاه احصاء المشكلات التربوية والاجتماعية، وما اصاب القطاع الاستشفائي من المؤسسات التي تقدّم الخدمات الطبية، الى تلك الضامنة التي تتكفل بجزء كبير من الكلفة الباهظة في هذا القطاع.
وما ينسحب على قطاع الدواء والاستشفاء لا يختلف عن معاناة قطاع المحروقات والقمح والطحين والمواد الغذائية الاساسية من حبوب ومعلبات.
لم تقف الانهيارات عند هذه القطاعات المهمة، بعدما طاولت قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية بحدودها الدنيا وانعكاساتها على الخدمات العامة في المرفأ ومؤسسات اخرى ومعها مصالح المياه المستقلة في عدد من المناطق. وباتت الإشارة سهلة إلى ما طاول المؤسسات العامة والوزارات، فتقلّصت قدرة المؤسسات الضامنة للخدمات الاجتماعية للفقراء والمعدمين، كما بالنسبة الى الصحة والاستشفاء، من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى تعاونية موظفي الدولة وصناديق التعاضد، على مواجهة مظاهر الأزمة. وما زاد من حدّتها عمليات صرف الموظفين في القطاع الخاص والمصارف وتقلّص القدرة على تأمين التعويضات العادلة للمدنيين والعسكريين من مختلف المؤسسات الى درجة أُرجئ دفع البعض منها او تقسيطها إلى اجل غير مسمّى.
وإن كان شلل المجلس الدستوري سيؤدي الى تعطيل العمل التشريعي في مجلس النواب قانوناً، لم يتحرّك المجلس من اجل سدّ الشغور بالعضو المنتخب من أعضاء المجلس الدستوري ليستقيم العمل فيه من اجل مراقبة دستورية القوانين. وكذلك فقد تعطّلت عملية تعيين الاعضاء الاربعة في مجلس القضاء لخلاف نُسب الى محاولة وضع اليد على الثلث المعطل الذي ما زال سبباً يعوق اياً من السيناريوهات التي تحاكي التشكيلة الحكومية العتيدة.
وفي المحصلة، فإن كان ما سبق غيض من فيض، يتساءل المراقبون عن اهمية الاستمرار في تبادل الاتهامات بين رؤساء السلطات الرسمية من مواقعهم المحصنة، كل على خلفية البحث عن دوره أو لحماية ازلامه، ألم يرصدوا بعد أنّهم باتوا يتربعون فوق هيكلية دولة منهارة ومفلسة ومشلولة فارغة من كوادرها ومؤسساتها ما عدا الأمنية منها، وأنّهم ما زالوا يمعنون في تفكيكها؟ وهل لديهم أي تصور عن هوية ودور من سيجمعها لاحقاً قبل فوات الاوان؟
المصدر: الجمهورية