الاشباع المبكر: الشخصية اليهودية مذعورة
الخنادق
لدى متابعة أخبار الكيان الإسرائيلي، سواء في أيام التهدئة أو في الأزمات، وسواء كانت هذه الأزمات داخلية أو خارجية، يبدو لافتًا مدى التهويل والتضخيم في قراءة الأحداث، ذلك أن أي طارئ على هذا الكيان سواء كان تظاهرة احتجاجية لليهود المتطرفين أو كان متعلقًا بالقدرة الصاروخية لحماس، يبدأ السياسيون والاعلاميون الإسرائيليون على حد سواء يلوّحون بـ “الخطر الوجودي” و “تفكك الكيان” و “الحرب الأهلية”، إلخ…
للوهلة الأولى، سيستحسن المتابع العربي هذه الوقائع، ويستبطن أننا أمام كيان هش، يغرق في شبر ماء، فيتناقله الناشطون، ويبني عليه الفاعلون السياسيون، وبعد فترة يقفون بذهول أمام التعافي المبكر أو الوقائع المخالفة للتوقعات، يحصل ذلك بسبب “الاشباع المبكر”، الذي يمارسه أحيانًا الاحتلال بشكل متعمّد وأخرى عن غير عمد.
يمكن تعريف “الإشباع المبكر” على أنه مفهوم يعني الاشتباه لناحية مدى تحقق التأثير في وعي الاحتلال وقراراته وتبعًا في سلوكه، نتيجة الأعمال القتالية ضدّه، وذلك بفعل التعبيرات اللفظية المبالغ فيها والصادرة عن الاحتلال في توصيفه لتأثير تلك الأعمال القتالية عليه وعلى أمنه وما ينجم عنها من إحباط.
مثلًا، تحصل تظاهرة لدى المقدسيين على خلفية التهجير والاعتقالات القسرية، يبدأ الإعلام بالحديث عن “حرب أهلية”، يتشجّع المقدسيون ويعملون على زيادة الوتيرة ما يؤدي إلى اشتباكات مع جنود الاحتلال وتزداد وتيرة المواجهات بشكل تراكمي تدريجي، يستهدف تحقيق تنازل معيّن من الاحتلال، عندها يبدأ بالحديث عن “الأخطار الوجودية”، ما يؤدي إلى شعور وهمي بتحصيل الاعتراف منه، فتخف وتيرة المواجهات وعمليات استخدام القوة، والواقع أنها لم تحصل إلا على فقاعات من التصريحات الإعلامية ولم تحصل على أي تنازل فعلي، هذا الأمر يؤدي إلى تشتيت الجهة الفاعلة، وزيادة نسبة الغموض لديها. كما يؤدي أيضًا إلى تراجع قدرة هذا الطرف على إقناع جمهوره بدفع تكاليف إضافية لاستخدام القوة، كما يمكن أن تؤدي إلى صدمات نفسية نتيجة اختلاف الصورة الذهنية المتأتية من الاعتراف اللفظي عن واقع تنازل الاحتلال.
مظهر آخر من مظاهر “الاشباع المبكر” يمكن ملاحظته بوضوح خلال عملية “سيف القدس”، وهي الحرب الإعلامية الداخلية التي يشنها خصوم نتنياهو على تعاطيه مع الاحداث، وقراراته بشأن محاكم حي الشيخ جراح أو استهداف الفصائل الفلسطينية في غزة.
قسم كبير من السياسيين والعسكريين والمراسلين ووسائل الاعلام المعادية بدأوا حربهم النفسية بهدف زيادة الضغط على نتنياهو وبهدف الاستثمار السياسي للأحداث، حتى أصبح الحديث عن فشل أهداف نتنياهو وفشل مناوراته، سيمفونية يعزفها هؤلاء في الاعلام والصحافة ويتلقفها الفلسطينيون وأصدقاؤهم بنشوة النصر الذي لا يشوبه شائبة، وبغض النظر عما إذا كان نصرًا في التفاصيل، فإن أغلبه ليس إلا تصفية حسابات سياسية لإسقاط نتنياهو، وقد يكون الواقع مختلفًا عما يتم الحديث عنه من ايحاءات فيحصل التلاعب بردود أفعال المراقب أو الطرف الفلسطيني أو صاحب الفعل العربي بشكل غير مباشر.
إذًا يحصل “الإشباع المبكر” نتيجة لأربعة عوامل:
– عمليات حرب نفسية معتمدة من قبل كيان الاحتلال تستهدف خداع المقاومة.
– حقيقة الشخصية اليهودية المذعورة وانعدام الشعور بالأمن لدى أغلبية المستوطنين في الكيان.
– النزاعات الداخلية السياسية التي تؤدي إلى المبالغة في النقد لاستهداف الأحزاب والشخصيات على خلفيات سياسية.
– الدعاية التعبوية التحريضية التي يمارسها قيادات الكيان الإسرائيلي من خلال تضخيم الخطر لتحفيز حالة القلق والاستنفار، دون الغفلة عن أن هذه الدعاية قد تنقلب إحباطًا وخوفًا هستيريًا.
الواقع أنه سواء كانت عملية “الاشباع المبكر” تحصل نتيجة التلاعب الإسرائيلي أو نتيجة انهزامه او سواء كانت عملية تصفية حسابات داخلية، إلا أنه لا يمكن تجاهل أنها تحصل بشكل واسع، ولها تأثير كبير على مجريات الأحداث وردود الأفعال. وعليه، يجب الحذر لدى قراءة الأحداث والترتيب عليها، دون الوقوع في فخ “الاشباع المبكر”، أما على مستوى حروبنا الإعلامية الخاصة فإن استثمار نزاعات الأطراف في الكيان الإسرائيلي وتسليط الضوء عليها هو أمر مطلوب، كما أن تعزيز الشعور بالذعر لدى المستوطنين هو أمر مطلوب أيضًا مع الالتفات إلى الدقة في التعابير وعدم الانسياق خلف دعاية الاحتلال.