عليان عليان: ملحمة سيف القدس والهزيمة النكراء للكيان الصهيوني- حذار من المصادرة على نتائجها
01203766656584
عليان عليان-رأي اليوم
بعد إحدى عشر يوماً من الحرب الضروس، بين فصائل المقاومة والكيان الصهيوني تمكنت المقاومة من تحقيق انتصار ناصع البياض لا تشوبه شائبة، إذ ما أن أعلن عن وقف إطلاق النار حتى هتف ملايين الفلسطينيين وأبناء الأمة العربية، بإعلان النصر في شوارع غزة العزة وفي والضفة و القدس وفلسطين المحتلة عام 1948، وفي كل مخيمات الشتات في الأردن وفلسطين والضفة ولبنان، عبر مسيرات فرحة وابتهاج، في حين صدحت المساجد بتكبيرات عيد النصر، وتخللت هذه المسيرات شعارات تؤكد أن الربيع الحقيقي يولد في فلسطين، لاسيما الشعار الذي تردد في جنبات المسجد الأقصى: ” الشعب يريد إسقاط سلطة أوسلو “.
مزاعم نتنياهو بتحقيق النصر يكذبها الخبراء العسكريون الصهاينة
لقد حاول نتنياهو ووزير الحرب بيني غانتس ورئيس الأركان كوخافي أن يحجبوا الانتصار الفلسطيني، بادعاءات كاذبة تزعم أن العدوان الإسرائيلي حقق أهدافه قبل قرار وقف إطلاق النار، عبر الزعم بتدمير أنفاق المقاومة ومخازن الذخيرة ومشاغل تصنيع الصواريخ، لكن قيادات صهيونية راحت تكذب نتنياهو، وتؤكد أن المقاومة انتصرت وأنه ولا داعي للاستمرار في مسلسل الأكاذيب، بهدف إنقاذ نفسه من المحاسبة على فشله الذريع في المواجهة مع المقاومة. فها هو “يائير لابيد” زعيم حزب “هناك مستقبل” يعلن بأعلى صوته “أن حكومة الكيان فشلت فشلاً ذريعاً على المستويين الأمني والعسكري، وأن خطاب فصائل المقاومة تسيد المشهد الإعلامي في الدول الغربية، وها هو حزب “إسرائيل قوية” اليميني الاستيطاني يجهش بالبكاء فجر يوم وقف إطلاق النار قائلاً: إنها ليلة صعبة جداً على إسرائيل، بعد أن ردعتنا المقاومة، وبعد أن وافقنا على إطلاق النار تنفيذاً لإملاءاتها. وها هو عاموس يدلين – رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابق يقول في حديث له عبر “القناة 12” العبرية: إن هناك شعوراً بالمرارة لدى الإسرائيليين لأنه لم يتحقق انتصار على المقاومة، موضحاً أنه: “في اللعبة الاستراتيجية، ربط السنوار غزة بالقدس وبالضفة الغربية، وتسبّب لنا باضطرابات داخل إسرائيل”. وها هو المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، آفي بنياهو، يعترف بأن: “الجولة الأخيرة فُرِضت علينا وفاجأتنا، وهي نتاج مباشِر للسياسات الواهنة والمتراخية على مدى 12 عاماً من عدم التفكير الاستراتيجيّ، ومحاولة كَنس المشكلة إلى تحت البساط”.
كما عدد اللواء احتياط إسحاق بريك (مفوض شكاوى الجنود السابق) سلسلة الإخفاقات الدبلوماسية والأمنية الإسرائيلية، ورأى أن ما جرى لا يعدو عن كونه “بروفا” عن المعركة المقبلة، والمتعدّدة الساحات، مضيفاً: “ما نختبره اليوم (في غزة) هو رأس جبل الجليد في مقابل ما سيحدث إذا دخل حزب الله للصورة”.
الإعلام الإسرائيلي: المقاومة انتصرت
لقد خضعت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية إبان الحرب لتوجيهات المستوى السياسي للكيان الصهيوني، وراحت تبث أكاذيبه بشأن انتصارات قوات الاحتلال وصلابة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وإخفاق المقاومة في ضرب أهداف حيوية في الكيان الصهيوني، والتغني بقدرات القبة الحديدية، لكن بعد وقف إطلاق النار، خرجت هذه الوسائل عن رقابة الرقيب العسكري، وعن الخضوع لتوجيهات نتنياهو، وراحت تكذب ادعاءات نتنياهو بأن جيش الاحتلال حقق أهدافه، وباتت تمسخر الادعاءات الإسرائيلية بالنصر.
فها هي صحيفة: “يديعوت أحرونوت” تعترف في مقالة لأحد كتابها الرئيسيين “سالي مريدور”: بأن إسرائيل كانت متخلفة كثيراً في المعركة مع حماس وبقية الفصائل، وأن المواجهة الأخيرة كشفت مكامن ضعف وأخطاء الاستراتيجية لدى (إسرائيل)، وأن محصلة المعركة بمقاييس نتائج لعبة كرة القدم كانت (4) أهداف لصالح الفصائل في غزة، مقابل هدف واحد لحكومة نتنياهو. كما اعترفت مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية بقدرات المقاومة في كسر معادلة الردع الإسرائيلية، وكذبت إنجازات نتنياهو وادعاءاته بتحقيق النصر، ولفت انتباهي مقال مطول للدكتورة الصهيونية وايزمان- أستاذة التاريخ في الجامعة العبرية، نشرته في صحيفة “إسرائيل اليوم” أقتطف منه ما يلي: “لقد خدعتمونا أنتم بالكذب يا قادة إسرائيل، فإسرائيل تحترق وصواريخ غزة تنهمر على كافة إسرائيل كالمطر، بل أكثر … وها هي إسرائيل تحترق، وأكثر من 80 بالمائة من الشعب الإسرائيلي في الملاجئ، والضحايا بالعشرات إن لم يكونوا أكثر، أخبروني أي جزء من أرض إسرائيل لم تصله صواريخ غزة؟ كل شيء في إسرائيل معطل، فالمطارات مقفلة والموانئ مقفلة ولا نسمع من نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس أركانه سوى تصاريح خائبة ومذلة “…”، هذه صواريخ غزة يصنعها الفلسطينيون، فكيف لو دخلنا حرباً مع حزب الله والصواريخ الدقيقة المتطورة، حسب ما تعلنه مخابراتكم والمخابرات الأمريكية والغربية عن امتلاك حزب الله لأكثر من 200 ألف صاروخ إذا لم يكن أكثر وأكثر” ….”. كنت أستهزئ بخطابات نصر الله عندما كان يقول أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، والآن أنا يا نصر الله أقول لك نعم أنت على حق وأنت صادق، إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”.
يد المقاومة هي العليا
قيمة الانتصار الذي حققته فصائل المقاومة في غزة، أنها لم تكتف بإفشال أهداف العدوان الإسرائيلي على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، كما حصل في مواجهة العدوان في الأعوام 2008، 2012، 2014، بل أنها حققت انتصاراً غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني- الصهيوني، والعربي –الصهيوني، انتصاراً عانق انتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006، ما يفتح باباً عريضاً باتجاه التركيز على خطاب التحرير ونبذ خطاب التسوية بكل أشكاله ومسمياته، هذه المقاومة – التي ننحني إجلالاً لعظمتها- كانت يدها على مدى أيام الحرب هي العليا ويد العدو الصهيوني هي السفلى، فغزة المحاصرة براً وبحراً وجواً، أمطرت كافة مستوطنات العدو بما فيها تل أبيب والقدس وبئر السبع ومواقعه العسكرية والاقتصادية ومطاراته وقواعده العسكرية ومنصات الغاز في البحر المتوسط، بما يزيد عن (4000) صاروخ وآلاف قذائف الهاون، واصطادت آلياته بصواريخ الكورنيت، وأجبرت ستة ملايين مستوطن على البقاء في الملاجئ، وحطمت الحالة المعنوية للجبهة الداخلية الإسرائيلية، في حين فشل العدو في تحقيق هدفه في إجهاض المقاومة، وفي التأثير على معنويات الحاضنة الشعبية للمقاومة، وراح يعوض هذا الفشل بتدمير الأبراج السكنية والبنايات على ساكنيها من المواطنين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة.
معركة سيف القدس: إنجازات ودروس
معركة سيف القدس الصاروخية في إطار انتفاضة القدس التاريخية كشفت عن جملة من الإنجازات والدروس أبرزها:
أولاً: أنها طرحت سؤال الوجود على كل مستوطن في الكيان الصهوني، وباتوا يفكرون ملياً في ترك البلاد لأصحابها الشرعيين، وهذا ما عكسته الفيديوهات التي تسربت عن المستوطنين في مستوطنات غلاف غزة وفي منطقة المركز في تل أيبب وغيرها، حين شاهدناهم يصرخون: “لقد جئتم بنا من بلداننا في أوروبا وأمريكا، ووعدتمونا بالأمان والاستقرار، وثبت لنا بأن وعودكم كاذبة، دعونا نعود إلى البلاد التي جئنا منها”.
ولم تقتصر الأمور على المستوطنين، بل أن عدداً من الإعلاميين والكتاب الصهاينة مثل “جدعون ليفي” “وآري شابيت ” باتوا يعلنون بأعلى صوتهم قائلين: “إننا نعيش حالة من الجحيم وعلينا أن نغادر هذه البلاد”….” وأن الحركة الصهيونية شاخت وإسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويجب فعل ما اقترحه (روغل ألفر) قبل عامين، وهو مغادرة البلاد، وإذا كانت الإسرائيلية واليهودية ليستا عاملاً حيوياً في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبي لدى كل مواطن إسرائيلي، ليس فقط بالمعنى التقني، بل بالمعنى النفسي أيضاً، فقد انتهى الأمر، يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس”.
ثانياً: أنها أكدت بالملموس ولأول مرة، بأن هنالك إمكانية في السياق الاستراتيجي لإنهاء الكيان الصهيوني، عبر مراكمة النضال بكل أشكاله وفي المقدمة منها الكفاح المسلح، إذ أن ما أنجزته فصائل المقاومة من إعداد للمواجهة منذ عام 2014 عبر تصنيع الأسلحة وعبر وضع الخطط المشتركة والمناورات المشتركة، يؤكد أن العامل الذاتي المقاوم المستند إلى حاضنة شعبية على امتداد فلسطيني التاريخية وبعمق الشتات الفلسطيني والشعبي العربي، وبالاستناد إلى محور المقاومة، قادر على أن يراكم الإنجازات على طريق تحرير فلسطين.
ثالثاً: أن انتصار المقاومة في هذه المنازلة التاريخية، شكلت بالملموس استفتاءً جماهيرياً لصالح المقاومة، ورفضاً لخيار المفاوضات والتسوية – مطلق تسوية.
رابعاً: أكدت أن الشعب يتوحد تحت راية المقاومة في عموم الفلسطينية التاريخية والشتات في حين أن خطاب التسوية البائس كان عامل تقسيم للشعب الفلسطيني.
خامساً: أننا أمام وضع فلسطيني مقاوم، يطور باستمرار معادلات الاشتباك مع العدو الصهيوني، فبعد أن صنعت المقاومة في قطاع غزة معادلة توازن الرعب والردع في مواجهة عدوان 2008، 2012، 2014 ، رأيناها منذ اليوم الأول للانتفاضة الراهنة ترفع في إطار غرفة العمليات المشتركة “معادلة القدس في مواجهة المستوطنات” وعندما بدأت معركة سيف القدس، انتقلت من حالة الردع إلى حالة كسر الردع الصهيوني، من خلال المبادرة بالهجوم ووضع العدو في حالة الدفاع، لتعلن لاحقاً أن أي اعتداء على الفلسطينيين في القدس والضفة ومناطق 1948 سيواجه برد المقاومة من فصائل المقاومة في القطاع.
سادساً: أن انتصار المقاومة في هذه المنازلة، وضع القضية الفلسطينية على رأس أولويات المجتمع الدولي، وحققت أكبر وأوسع التفاف شعبي عربي وعالمي حولها، ويمكننا القول أن هذا الانتصار سيشكل رافعة للشعوب العربية في مواجهة الأنظمة الرجعية ولجميع الشعوب التواقة للتحرر من الاستبداد والاستعمار. لقد شكل انتصار المقاومة هزيمة نكراء ليس للكيان الصهيوني فحسب، بل هزيمة للدول المطبعة التي اندلقت على الكيان الصهيوني في سياق تحالفي ذيلي، معتقدةً أن هذا الكيان سيوفر الحماية لها، فإذا بها ترى أن قطاع غزة وحده الذي لا تزيد مساحته عن 300 كلم مربع، يلحق أكبر هزيمة للكيان الصهيوني منذ نكبة فلسطين عام 1948.
مهام مركزية للمرحلة الراهنة
ما تقدم يستدعي من فصائل المقاومة أن تضع على رأس جدول أعمالها جملة من المهام أبرزها:
1-المبادرة فوراً بتشكيل قيادة موحدة للانتفاضة وتوفير مستلزمات إدامتها، إذ أن تأخير إقامتها رغم مرور حوالي شهر على اندلاعها، بات يطرح علامات استفهام بشأن ارتهان بعض الفصائل لقرار قيادة السلطة الفلسطينية بهذا الشأن.
2- ضرورة أن يكون لشعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948موقعاً مركزيا في المعادلة الفلسطينية على الصعيدين السياسي والتنظيمي.
3- العمل على تصعيد النضال الشعبي لإسقاط نهج أوسلو وزمرته بموازاة تصعيد الانتفاضة ضد الاحتلال.
4– وجوب الحذر من محاولات السلطة ودول التطبيع ونظام كامب ديفيد وغيره من المصادرة على نتائج هذا الانتصار ،عبر العودة إلى طرح ما يسمى بحل الدولتين الذي تم قبره في ملحمة سيف القدس في إطار الانتفاضة الراهنة.
5- التصدي لرموز قيادة السلطة التي غابت عن مشهد المقاومة التاريخي التي باتت بعد وقف إطلاق النار تشكك في إنجازات المقاومة، وتداري خيبتها عبر العودة إلى خيبتها الأولى بالدعوة لإعادة الاعتبار لمسار ” السلام ” مستفيدةً من النجدة التي أعلنها بايدن اليوم بطرحه ( أولاً) أكذوبة ” حل الدولتين ” التي تجاوزتها الانتفاضة الفلسطينية ( وثانياً) مطالبته الشعب الفلسطيني بالاعتراف بقيادة أبو مازن لهم.
6- عدم الوقوع في فخ الضمانات التي على ضوئها قبلت فصائل المقاومة بوقف إطلاق النار المتعلقة بالقدس والأقصى والشيخ جراح، إذ من يضمن أن يلتزم مجرم الحرب نتنياهو بالضمانات التي تحدث عنها الوسيط المصري، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن نتنياهو لن ينفذها، في ضوء أن قبوله بها سيخرجه من المعادلة السياسية في الكيان الصهيوني باتجاه الذهاب إلى السجن جراء تهم الفساد التي تلاحقه منذ سنين.