كتب نادر حجاز
قبل الانطلاق الى أقرب “طرمبة بنزين”، حتى ولو في الصين، لأخذ نصيبك من ذهب لبنان الأسود، جرّب أن تكون إيجابيا علّ المهمة تهون عليك، كأن تستعيد مثلا إعلان “موزة وتفاحة” وتضحك قليلاً، قبل وصولك الى الطابور لتنضم الى مَن صادفهم الحظ وسبقوك لحجز دور قبلك.
لا تأخذ الأمور شخصية إذا كان الطابور أمامك طويلاً جداً، فهو أطول بكثير بالنسبة لمَن هم خلفك. دائماً هناك ايجابية حتى عندما تشعر الكرامة بخدوش طفيفة، فالكرامة تفصيل أمام خزان الوقود الفارغ كأمعاء أطفال كثر ربما لا يجدون رغيف خبز يسدّون به جوعهم قبل النوم.
ففي الطابور ستبتسم تلقائياً لجارك في الصف الموازي، سيهزّ برأسه مثلك تماماً، فها أنتما أصبحتما أصدقاء بغضون ثوانٍ قليلة، قرأ أفكارك وقرأت أفكاره، وكانت الفرصة سانحة لتتعرف على أطفاله الذين خرجوا من النوافذ ليتشاركوا الألعاب مع أولادك
وفي الطابور أيضا، قد تلتقي بحب حياتك الذي انتظرته طويلاً اذا كنت عازباً، وان كنت ستجد صعوبة كبيرة بإقناع زوجتك أن كل هذا الوقت قد أمضيته على المحطة إذا كنت متأهلاً.
إنه الطابور يا سادة، الذي سنعتاد عليه أمام المحطة كما أمام الفرن والصيدلية، وطوارئ مستشفى سيرفض استقبالنا قبل الدفع و”بالكاش”.
ففي الطابور كل الأفكار الشريرة تصبح على بعد التفاتة منك، ستتمنى للحظة لو أن هذا الطابور هو أمام أي سفارة لدولة تحترم شعبها وأنت بانتظار دورك لأخذ تأشيرة السفر الى أي بقعة من هذا العالم تعيش فيها مع عائلتك بأمان وبكرامة.
في الطابور، ستتمنى لو أنك لم تولد في وطن لا يعرف بوجودك ولا يشعر بوجعك وقهرك.
في الطابور، ستتذكّر صفّ رفاقك في المدرسة، وكم أضعت من أحلام منذ ذلك الطابور في ملعب الدراسة.
ستقترب السيارة التي أمامك قليلاً وتصبح على مسافة قريبة من خرطوم المحطة، ستتذكّر أنك وقفت مراراً في الطابور أمام صندوق الضمان وفي دائرة النفوس والسجل العدلي ووزارة الصحة وفي النافعة والمعاينة الميكانيكية وفي زحمة السير، كما وقفت كثيراً في الطابور أمام “سيخ الشاورما” ومحال الفلافل وأمام صناديق “السوبرماركت”… ستهون عليك المصيبة وتأخذ نصيبك مما يمنّ عليك عامل المحطة من وقود وترحل، وتعود بعد يومين الى الطابور نفسه والى الأفكار نفسها.
هذا ما يريدون لك أن تعتاد عليه، يريدونك أن تعتاد على الطابور… وإذا كان الأمر مزعجاً كثيراً فعليك بالبديل إذا وجدته بين “جهنم” وبين “جهنم”.