طرح جدّي يمكن أن يتبلور ويترجم على أرض الواقع، أم مجرد مناورة سياسية لا تعدو كونها قنبلة دخانية رماها النائب جبران باسيل، في قصر الأونيسكو السبت الماضي، ملوّحاً بخيار استقالة نواب تكتل لبنان القوي من مجلس النواب، في سياق الصراع القائم حول تشكيل الحكومة مع الرئيس المكلف سعد الحريري؟ علماً أن اقتراح باسيل يلاقي، متأخّراً، المطلب الأساسي لتكتل الجمهورية القوية الذي يؤكد تكراراً أن لا حلَّ مع الأكثرية الحاكمة، ولا خلاص من الأزمة ووقف الانهيار وإعادة النهوض إلا بإعادة تكوين السلطة بدءاً من هذا الباب.
بدايةً، وقبل أن “يمسك” المتفائلون “ع الدبكة” ويبدأ المتشائمون بطبع “أوراق النعوة” سلفاً، مضافاً إليهم أولئك الذين أصيبوا بالرعب من احتمال عودة الروح إلى “اتفاق معراب”، مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاسات مباشرة قد تقلب المشهد برمّته، كما حصل فعلاً بعد 18 كانون الثاني 2016، لا بأس من التذكير بما هو غير خافٍ على أحد، وهو أن التقاء القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، “الموضعي”، عند هذه النقطة، لم يكن نتيجة تنسيق مسبق، بل إن نقاط الانطلاق لدى كلٍّ من الطرفين متباينة ومختلفة إلى حد التناقض في نواحٍ عدة.
إنما، ما لا يمكن إنكاره، هو أنه في حال جدّية “التيار” في الاستقالة من البرلمان وإقدامه على هذه الخطوة، التي ستتبعها حكماً استقالة تكتل الجمهورية القوية، صاحب هذا الاقتراح وأبوه الشرعي لوقف الانهيار والبدء بعملية إنقاذية شاملة انطلاقاً من إعادة تكوين السلطة من أساسها، أي من البرلمان، سنكون أمام مشهد مختلف تماماً.
ولا شك أنه أمام هذا المعطى، في حال حدوثه، ستصبح الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، تبعاً لما ستفرضه استقالة أكبر تكتلين مسيحيين من وقائع لا يمكن القفز فوقها، إذ إن الانتخابات النيابية المبكرة تصبح عندها أمراً واقعاً ملزماً للفرقاء كافة، نظراً لفقدان مجلس النواب لأحد أبرز أعمدته التكوينية التي تمنحه الشرعية، ألا وهي الميثاقية الوطنية التمثيلية لمختلف المكوّنات اللبنانية.
عضو تكتل لبنان القوي النائب أسعد درغام، يشدّد على “توخّي الدقة في قراءة كلام باسيل”. ويوضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “باسيل قال إن هذا أحد المخارج أو الخطوات الممكنة للخروج من الأزمة، إذا استمرت عملية المراوحة ولم نتمكن من الوصول إلى تأليف حكومة”، مشدداً على أن “لا قرار في هذا الخصوص حتى الآن، لكن بالتأكيد هذا من ضمن الأفكار والخيارات المطروحة على الطاولة والتي تتم دراستها في تكتلنا، إنما يجب أن نضمن نجاح هذه الخطوة قبل الإقدام عليها”.
أما عن اعتبار الكثير من الفرقاء طرح باسيل غير جدي، وأنه في إطار الضغط على الحريري ولا يتخطى أفق “الابتزاز”، يؤكد درغام، أن “باسيل طرح هذه الفكرة كأحد الخيارات. وخطوتنا نابعة من أن العهد لا يمكن أن يكمل ويستمر في السنة الأخيرة من ولايته الرئاسية، من دون حكومة فعلية تواجه المرحلة والملفات الداهمة، خصوصاً الاقتصادية والمالية. بالتالي هذا أحد الخيارات التي يمكن أن توصلنا إلى حكومة”.
ويشير، إلى أنه “حتى الآن، لا تواصل ولا نقاش مع باقي الكتل النيابية في هذا الشأن. لكن نحن سبق والتقينا مع القوات اللبنانية في كثير من الملفات، خصوصاً في ملف قانون الانتخاب. وفي حال انتقلنا من مرحلة الخيار وأصبح هذا الطرح قراراً، لا شيء يمنع، بل من الطبيعي أن نتشاور مع سائر الكتل، وخصوصاً مع القوات، من أجل الوصول إلى الهدف المنشود”.
من ناحيته، يقول أمين سر تكتل الجمهورية القوية النائب السابق فادي كرم، لموقع “القوات”، “موقفنا سابق لما أدلى به باسيل”، مضيفاً أنه “لا يمكن اعتبار كلامه طرحاً أو موقفاً جدياً، إنما كلام أُدلي به في لحظة تحدٍّ بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل على منبر البرلمان، وأدخلوه من ضمن عملية الابتزاز القائمة لتشكيل حكومة بحسب شروط السلطة الحاكمة”.
ويلفت، إلى أنه “من هذا المنطلق، ما قاله باسيل ليس مسألة جدية تُطرح على تكتل الجمهورية القوية، لأن موقف تكتلنا مبدئيّ وعمليّ منذ بداية استقالة حكومة حسان دياب، حين طُرح إعادة تشكيل حكومة مهمّة من اختصاصيين مستقلين. وأعطى تكتلنا وحزب القوات اللبنانية رأيهما بأن هذه مسألة لن تحدث، لأن لا أمل بالتعاون والتفاهم مع السلطة الحاكمة التي لن تسمح بهكذا حكومة، لأن شروط حكومة الاختصاصيين المستقلين تعاكس تفكيرها وذهنيتها”.
ويشير كرم، إلى أن “كل ما تريده السلطة الحاكمة، استخدام رصيد كل الأفرقاء السياسيين الذين يدخلون إلى الحكومة، بدءاً من الحريري، وأخذ براءة ذمّة منهم لتشكيل حكومة تكون بخدمة هذه السلطة ولإعطائها الاستمرارية. أي حكومة تستطيع أن تجلب أموال جديدة إلى لبنان، لصرفها على الفساد واستمرارية سلطة الغطاء للدويلة”.
ويشدد، على أن “موقف القوات اللبنانية من الاستقالة من مجلس النواب منفصل تماماً عن الموقف الذي صدر عن النائب باسيل، لأن موقف القوات هو بتصوّر واضح لإنقاذ البلد بإعادة إنتاج السلطة، بدءاً من خيارات الشعب اللبناني بانتخابات نيابية مبكرة. أما طرح باسيل فلا يتعدَّى عملية مناورات تحصل بين أفرقاء السلطة، لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 17 تشرين الأول 2017”.
ويؤكد كرم، أن “قرار حزب القوات وتكتل الجمهورية القوية واضح. عندما تتأمَّن أول فرصة جدّية لإسقاط المجلس النيابي الحالي وتقصير مدته، لن يترددا لحظة، وسيُقدمان على الاستقالة فوراً، إن كان مع كتلة المستقبل أو اللقاء الديمقراطي أو تكتل لبنان القوي”، مشدداً على أن “القوات اللبنانية مستعدة فوراً لإسقاط المجلس النيابي الحالي، ومع أي تكتل يُسقط الميثاقية عن البرلمان، ستكون القوات الرقم الذي يحقِّق هذا الأمر. علماً أن الجمهورية القوية تقدَّم باقتراح قانون لتقصير مدة ولاية البرلمان، لكنه لا يوضع على جدول أعمال الهيئة العامة”.