بلينكن في المنطقة: شكراً مصر…

 

ابراهيم ريحان -أساس ميديا

وصل إلى المنطقة وزير الخارجيّة الأميركيّة أنتوني بلينكن. حطّ رحاله أولاً في القدس، ليثبّت الهدنة الهشّة بين حركة حماس وبين إسرائيل بعد معركة الـ11 يوماً وتطويره إلى هدنة طويلة الأمد، وبحث سُبل إعادة إعمار القطاع من دون أن يصل شيء إلى “أيدي” حركة حماس، بحسب تأكيد مصدر في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس”.

بعدها سيجول الضيف الأميركي بين القدس ورامَ الله والقاهرة وعمّان، لتنسيق الخطوات وتمتين التّواصل مع مصر والأردن. عنوان الزّيارة واحدٌ: “الملفّ الفلسطيني – الإسرائيلي”، وكيفية تحويل المعركة الأخيرة إلى فرصة لتعالج إدارة جو بايدن هذا الملفّ، بعدما تناوب عليه 15 رئيساً أميركيّاً منذ عام 1948، دون أيّ نتيجة حاسمة للنزاع.

ماذا في خفايا الزّيارة الأميركيّة الأرفع للمنطقة بعد حرب الغارات والصّواريخ؟

يحطّ بايدن مع بروز شهية مصرية كبيرة للدخول إلى الملفّ الفلسطيني، ومن خلفه في الكواليس يولد “دور عربي” غير مسبوق. وقد يكون هذا الدور فرصةً للرّئيس الأميركي الجديد ليحقّق خرقاً وسط الفوضى التي أحدثها سلفه دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير عبر ما عُرِفَ بـ”صفقة القرن”.

سيحاول بايدن عبر بلينكن أن يعيدَ الحياة إلى مساعي حلّ القضيّة الفلسطينيّة. وزيارته الأهم ستكون للعاصمة المصريّة. وهو اعتراف متقدّم من الإدارة الدّيموقراطيّة، من على أرض الكنانة، بأهميّة الدّور المصريّ الجديد، الذي كان له الفضل الأكبر في الوصول إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النّار. وهذا ليس تفصيلاً في إدارة تُعتبَر امتداداً لعهد الرّئيس الأسبق باراك أوباما، الذي شهد توتّراً مع دوائر القرار في مصر.

يرى الأميركيّون أنّ الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي هو رجل المرحلة في الشّرق الأوسط. إذ استطاع المصريّون تدوير الزّوايا بين قطاع غزّة وتلّ أبيب ورامَ الله بسرعةٍ غير مسبوقة. أمّا في التعاطي مع حركة حماس، التي تصنّفها أميركا “إرهابية”، فقد صارَ الأميركيّون على يقينٍ أنّ القاهرة هي الحليف الوحيد الذي يعرف أدقّ تفاصيل التّعاطي مع الحركة. وهذا ليسَ جديداً، فقد كان للمصريّين دورٌ تاريخيٌّ في قطاع غزّة الذي تولّوا إدارته منذ سنة 1948 حتّى سنة 1967. لذا يمكن اعتبارهم الجهة الوحيدة التي تعلم كيف تسير الأمور في القطاع تحت سلطة حماس أو غيرها.

لا بدّ هنا من المرور على اتصال بايدن بالسيسي قبل أيام. يومها أثنى الرّئيس الأميركي على دور الوفود المصريّة التي جالت في المنطقة، وحركتها المكّوكيّة. إذ ساهمت في إنقاذ ماء وجه واشنطن في أوّل اختبارٍ جدّيّ لها في النّزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. خصوصاً أنّ إدارة بايدن اتّصلت أكثر من 80 مرّة بالإسرائيليين، وكانت النّتيجة واحدة: “نتانياهو مُتعنّت، ولن يوقف إطلاق النّار”. وهذه سابقة في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.

بكلمات أخرى، استطاعت القاهرة أن تفعل ما لم تستطع فعله واشنطن، فحفِظَت ماءَ وجه الأخيرة.

ومن مصر إلى عمّان، ستكون مهمّة بلينكن طمأنة العاهل الأردنيّ عبدالله الثّاني والاستماع إلى هواجسه التي نشأت بعدما شهدت علاقة سليل الأسرة الهاشميّة الوصيّة على الأوقاف الإسلاميّة في القدس، توتّراً غير مسبوق مع الإدارة السّابقة. وذلك على خلفيّة الدّعم الذي كان يقدّمه ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في مخطّطه لضمّ الضفّة الغربيّة وغور الأردن، وتهجير الفلسطينيين نحو الأراضي الأردنيّة التي يلحظُها كوطنٍ بديلٍ في “صفقة القرن”.

أمّا في القدسِ فإنّ نتانياهو ليسَ في أحسَن أحواله. إذ يواجه “ملك إسرائيل” خصوماً في الدّاخل والخارج، وفي التيّار اليمينيّ الإسرائيلي نفسه. وسيكون هذا الضّعف فرصةً لبلينكن لمحاولة إحضار تل أبيب إلى طاولةٍ عمليّة السّلام على أساس حلّ الدّولتين، الذي لم يُحبّذه “بي بي” يوماً، ولن يفعل.

سيجول بلينكن ويسمع ويُطمئن، ويعيد التّواصل مع حلفاء واشنطن العرب. إلّا أنّ هذه الجولة ليست سوى خطوة في طريق الألف ميل، من دون أن ننسى أنّ يدَ إيران، الجالسة إلى طاولة المحادثات النّوويّة في فيينا، ثابتة على زناد صواريخ غزّة عبر “إصبعيْها”: حماس والجهاد الإسلامي. وباستطاعتها جعل زيارة بلينكن وكأنّها لم تكن…

كلّ هذا رهنٌ بما سيعرضه بلينكن، وبالفرعون المصري، الذي خرج من القلعة، الذي بدت يده “طايلة” في فلسطين.

Exit mobile version