الحدث

معركة إعادة الإعمار: محاولات جماعية لتعويم «سلطة أوسلو»

وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في رام الله أمس وإلى يساره وزير «التنسيق» حسين الشيخ (أ ف ب )
الأخبار- رجب المدهون

انتهت المعركة، لكن الحرب لم تنتهِ، بل إن فصلاً جديداً منها بدأ عنوانه: إعادة إعمار ما دمّره الاحتلال. حفلة كبيرة تداعت لها جهات عديدة، بحثاً عن منفعة على حساب القطاع المحاصَر. فرام الله التي غابت عن مشهد الحرب، تُطلّ برأسها كعادتها لتغتنم ما تستطيع بوصفها صاحبة «الشرعية»، تليها القاهرة التي تريد لشركاتها أن تتصدّر عملية الإعمار، وأن تحافظ على كونها مفتاحاً لغزة أمام «المجتمع الدولي». أمّا واشنطن، ومعها بروكسل، فتبحثان عن طريقة للمشاركة، شريطة ثمن سياسي لا يقلّ عن استمرار الهدوء لمدّة طويلة

 

غزة | أربع جهات محلية وعربية ودولية تنتظر موقف حركة «حماس» وفصائل المقاومة في ملفّ إعمار غزة، هي: السلطة الفلسطينية ومصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كلّ هؤلاء يرمون الآن على قوس واحدة، لكن بنبال متعدّدة، ومن الخلْف، تقف إسرائيل التي تشترط قبل كلّ شيء حلّ قضية جنودها الأسرى قبل الإعمار. في الوقت نفسه، تحاول أطراف عربية سحب البساط من تحت «حماس» لمصلحة السلطة عبر إعلانها تشكيل «لجنة دولية لإعمار غزة»، تعمل على تحويل الأموال إلى رام الله، الأمر الذي استبقته غزة بإعلانها تشكيل لجنة أخرى للإعمار، تضمّ أطرافاً من الحكومة السابقة ومؤسّسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية العاملة في القطاع، بما فيها التابعة للأمم المتحدة.
تلك الأطراف العربية تحاول إعادة الاعتبار إلى السلطة على رغم الرفض الشعبي والفصائلي، خصوصاً داخل غزة، لتدخُّلها، وذلك لسابق تجربة، إذ ثمّة اتهامات بأنه جرت بعد حرب 2014 سرقة جزء من أموال الإعمار، فضلاً عن هزل السلطة في متابعة الملف مع المانحين، وليس أخيراً تعمّدها تأخير جزء من الأموال ضمن عقوباتها على الغزّيين. لذا، أبلغت «حماس» القاهرة أنها ترفض تدخّل رام الله في ملف الإعمار «الذي يجب أن يمرّ عبر اللجنة المشكّلة في غزة». لكن موقف «المحروسة» لا يزال ضبابياً، مع توقّف التصريحات المصرية عند تعهّدات للولايات المتحدة وإسرائيل بأن تخضع أموال الإعمار لرقابة صارمة وألّا تُستغلّ في بناء ترسانة المقاومة، من دون إيضاح الجهة التي سيتمّ التعامل معها. وكان لافتاً رفض «اتحاد المقاولين الفلسطينيين» إشراف السلطة على إعادة الإعمار، إذ قال على لسان نقيبه أسامة كحيل: «لو لم تكن هناك بيروقراطية في أنظمة السلطة خلال الإعمار لعدوان 2014، لانتهت عملية الإعمار في عامين فقط بدلاً من الأعوام السبعة التي استغرقتها».
وترى فصائل في غزة أن الموقف المصري السبّاق في قضية إعادة الإعمار، والإعلان قبل انتهاء المواجهة عن تقديم 500 مليون دولار للقطاع، يُعدّ جزءاً من محاولة لترسيخ مكانة القاهرة، كعنوان لغزة أمام «المجتمع الدولي» في هذا الملفّ، وذلك لتفويت الفرصة على الدوحة التي كانت مرشّحة لقيادة العملية، ولا سيما بعد خوضها تجربة سابقة عبر لجنتها التي تقيم بصورة دائمة في القطاع منذ حرب 2014. لذلك، لا تزال مصر تحسب حساباً لموقف «حماس»، وتُوليه أهمية كبيرة، خشية أن يؤدي تجاهل الحركة إلى تفجّر الأوضاع مجدداً والعودة إلى المعارك أو التصعيد مع الاحتلال، وهو أمرٌ لمّحت إليه «حماس» خلال اللقاءات المكّوكية التي يجريها الوفد المصري بين القاهرة وتل أبيب خلال الأيام الماضية، فضلاً عن أن رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، أجرى لقاءً بالأمير القطري، تميم بن حمد، أول من أمس، وكان العنوان البحث في «الجهود المبذولة لإطلاق عملية الإعمار».

أمام «المجتمع الدولي»، يبرز حالياً الدور المصري بعد تصريح الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليلة وقف النار، أنه سيتمّ إرسال مساعدات على وجه السرعة إلى غزة، لكن ذلك سيكون بالتنسيق مع السلطة «بطريقة لا تسمح لحماس بأن تعيد ببساطة بناء ترسانتها». وطبقاً للجوّ الأميركي، سيتطلّب هذا الأمر على الأرجح عمليات مراقبة على الأرض، وليس من الواضح بعد إذا ما كانت «حماس» ستسمح بذلك، ومَن الطرف الذي سيتولّاها، لكن واشنطن تعوّل على القاهرة، وفق تفسيرات المسؤول الأميركي السابق، دينيس روس، حين قال إن طرفاً ما، ربّما يكون المصريين وغيرهم، «سيتعيّن أن يكون له وجود فعلي في غزة لتفقد السلع المستوردة ومراقبة استخدامها». على أيّ حال، ووفقاً لكلام البيت الأبيض أمس، سيكون موضوع الإعمار محوراً في الجهود الدبلوماسية لواشنطن التي قد تضطر إلى التفاوض مع «حماس» بصورة مباشرة أو غير مباشرة لإنهاء حالة التوتر، وهو ما تلقّته الحركة بإيجابية، مبدية استعدادها لفتح قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة، طبقاً لمسؤول «حمساوي» تحدث إلى «الأخبار».
يقول المسؤول نفسه إن «حماس» قد توافق على التدخّل المصري بطريقة معينة، لكنها ترفض تدخّل السلطة التي جُرّبت سابقاً واستغلّت الملفّ ضدّ الغزيين، وذلك لتجنّب هجوم أميركي ودولي عليها تحت شعار أنها تمنع دخول المساعدات وإعادة الإعمار. لكن برزت تصريحات لمسؤول في البيت الأبيض يبرّر فيها رفض الحديث مع الحركة حالياً بأمل أميركي في إعادة دور السلطة إلى غزة بطريقة ما، وهو ما علّق عليه المسؤول قائلاً: «نعتقد أنه لن يحدث شيء من هذا القبيل (تحكم السلطة في غزة) قبل إجراء الانتخابات أو تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الفصائل كافة». ومن ناحية أخرى، تبرز الأمم المتحدة هذه المرّة كمرشّح للإشراف على ما يطرحه الأميركيون والأوروبيون بخصوص الإعمار عبر «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، التي سبق أن كان لها دور في إعادة بناء وترميم البيوت التي تضرّرت في حرب 2014، وهو ما ترفضه حالياً تل أبيب التي لا تريد أيّ تعزيز لمكانة «الأونروا» مجدّداً بعد مساعيها السابقة للتخلّص منها. لكن المفوّض العام للوكالة الدولية، فيليب لازاريني، قال إن إعادة إعمار غزة «يجب أن تصاحبها جهود طويلة الأمد لتجنّب جولة جديدة من إراقة الدماء… وأن ترافقها بيئة سياسية مختلفة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى