د. علي النمر
يُصنف “الكيان الإسرائيلي” في مرتبة عليا في المجالين العسكري والإقتصادي، مما يعني أنَّه كيان قوي ومتقدِّم تقنياً، كما يُصنَّف غاصباً لاحتلاله أرض فلسطين، ومسيطراُ على مواردها الطبيعية ومعابرها، ومهيمناً على إقتصادها، وحارماً فلسطين من الإستفادة من المصادر المالية، ومكبداً إقتصادها خسائر وصلت إلى 48 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2000 و2017 م.
النظام الإقتصادي في الكيان الإسرائيلي يعتمد على السوق الحرة، القائم على القطاعات الإنتاجية والخدماتية، ويتميز بقطاع صناعي متنوع ذات تقنية عالية، بما في ذلك الطيران والإتصالات والمنتجات المعدنية والمعدات الإلكترونية والأجهزة الطبية الحيوية، والمنتجات الزراعية والأغذية المصنعة، والمواد الكيميائية. ومن أهم صادراتها الأسلحة والألماس، حيث بلغت قيمة صادراتها من الألماس 4.5 مليار دولار في عام 2018. ويستورد كيان الاحتلال النفط والمواد الخام والقمح والسيارات والألماس الخام ومدخلات الإنتاج. وتتركز أنشطته في مجال البرمجيات والإتصالات وأشباه الموصلات المتطورة.
كما يعتبر وجهة سياحية، وأستقبل في العام 2019 أكثر من 4.5 مليون سائح أجنبي، فقطاع السياحة إذاً أحد محركات الإقتصاد الرئيسية للكيان.
ويتفوق الكيان الغاضب على كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي في مجال البحث العلمي، ويعتبر من الدول الأوائل المصدِّرة للسلاح في العالم، ويتميز في سيطرته على الغاز الطبيعي (حقل “تمار” في شرق البحر الأبيض المتوسط)، وتقدر إحتياطياته من الغاز بنحو 275 مليار متر مكعب، وينتج 8.2 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
يتبنّى “الكيان الإسرائيلي” إستراتيجية تقضي بتعزيز صورته وزيادة ترتيبه الإقليمي والدولي في نماذج القياس الدولية، من خلال تطوير إمكاناتها العسكرية والإقتصادية عبر إبرام الصَّفقات التِّجارية على غرار اتفاقيّات التَّطبيع مع الدول العربية لأجل الإستثمار والتصدير .
لكن هناك عدة عوامل أضعفت هذه الإستراتيجية، أهم هذه العوامل هي فيروس كورونا والحرب الأخيرة على قطاع غزة.
السؤال المطروح:
كم بلغت الخسائر الإقتصادية والمالية بفعل انتشار فيروس كورونا وضربات المقاومة الفلسطينية؟
بعد انتشار فيروس كورونا في الكيان شلَّت العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية، فازداد العجز المالي في الموازنة، وسجلت إسرائيل في عام 2020 أعلى معدل عجز مالي في الموزانة بتاريخها، وصل إلى 160.3 مليار شيكل(بحدود 52 مليار دولار)، بثلاثة أضعاف مقارنةً بعجز عام 2019، الذي بلغ 15 مليار دولار. تعود أهم أسباب العجز المالي في موازنة 2020 إلى تقليص عائدات الضرائب بـ22.9 مليارات شيكل (نحو7مليارات دولار)، والإرتفاع في الإنفاق الحكومي من أجل مواجهة فيروس كورونا بمقدار 68.6 مليار شيكل(حوالي 21.5مليار دولار)، وقفز الدين العام لإسرائيل 20% خلال عام 2020، ليصل إلى 984 مليار شيكل (302 مليار دولار).
اليوم، يخوض الكيان الإسرائيلي أعنف حرب ضد قطاع غزة، ولكن كان لهذه الحرب تداعيات وآثار سلبية على الإقتصاد الإسرائيلي.
نتيجة إستهداف المقاومة الفلسطينية لمطاري “بن غوريون” و “رامون” وبعض الموانئ حيث تم عزله عن العالم، وهذا ما دفع الشركات العالمية إلى تعليق جميع الرحلات الجوية وإلغاء آلاف حجوزات الفنادق مما أدى إلى تعطيل الحركة السياحية كلياً، علماً أنَّ قطاع السياحة يعتبر مصدرا مهما من مصادر الدخل القومي، وبلغت عائداته في عام 2019 حوالى 6.66 مليار دولار.
كما أدّت صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى توقف العمل في منصة إستخراج الغاز الطبيعي”تمار”، وتعود منصة تمار على الميزانية بدخل قيمته 1.8 مليار دولار سنوياً، مما يعني أنَّ كل يوم تعطيل عن العمل يقابله خسارة تقدَّر بحدود 5 ملايين دولار يوميا، بالإضافة إلى توقف حركة القطارات والنقل والعديد من المرافق الإقتصادية الحيوية، ووصلت الخسائر إلى منشآت الطاقة الجنوبية، بالاضافة إلى الممتلكات العامة والبنى التحتية.
كما أعلن إتحاد المصنِّعين في الكيان الإسرائيلي، أن “الضَّرر في القطاع الصناعي وصل إلى 540 مليون شيكل(160 مليون دولار) خلال الأيام الثلاثة الأولى.
كما أنَّ هناك أعباء وتكاليف العمليات العسكرية المترتبة باهظة الثمن، بالإضافة إلى تكلفة تشغيل القبة الحديدية، حيث تشير التقارير أنَّ كل صاروخ واحد تطلقه تلك القبة، فإنّ معدل كلفته 150 ألف دولار، لكن الخسارة الكبرى تكمن في عدم دقة وفعالية هذه القبة التي تعتبر” فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية”، حيث كانت إسرائيل تسعى إلى توريدها للعالم. مما سيساهم في انخفاض أو ربما عدم بيعها للخارج مستقبلا (كما حصل مع دبابات الميركافا في لبنان عام 2006)، حيث يقدر بيع الأسلحة المعلنة قرابة 9 مليار دولار سنوياً.
كذلك سُجّل تراجع غير مسبوق في المعاملات التّجارية والإقتصادية في سوق المال والبورصة والمصارف الإسرائيلية وسعر العملة الإسرائيلية.
تكبد إقتصاد الكيان الناتجة عن العدوان الأخير على غزة ووباء كورونا خسائر ضخمة، مما يعني أنَّ الإقتصاد الإسرائيلي في حالة متعثرة، فقد أشار البنك المركزي الاسرائيلي في شهر أيلول 2020 إلى أن كلفة الإغلاق لمدة أسبوع واحد بسبب جائحة كورونا وصلت إلى 9 مليارات شيكل ما يعادل 2.63 مليار دولار، وكانت تقديرات البنك تشير إلى أنَّ الإقتصاد لن يبدأ بالتعافي قبل نهاية عام 2021.
أما فيما يخص العدوان الأخير على غزة، فالخسائر الإسرائيلية تقدر بقرابة 1.8 مليار دولار، وذلك خلال الأسبوع منذ بدء العمليات العسكرية ضد قطاع غزة.
هناك تكتم اسرائيلي كبير على حجم الخسائر، لكن بحسب تقدير الخبراء فإنّ خسائر العدوان بالإضافة إلى كورونا تقدر بحدود 4.83 مليار دولار خلال أسبوع واحد.
لبناني متخصص في شؤون الشرق الاوسط الاقتصادية